هل هي بداية نهاية الزعامة الغربية للعالم؟

– I –
السؤال الكبير الذي طُرِح غداة تراجع الرئيس الأميركي أوباما في اللحظة الأخيرة عن الضربة العسكرية لسورية لايزال كبيرا: هل بدأ الانحسار الامبراطوري الأميركي الكبير في العالم، أم أن الأمر شبيه بما حدث في الستينيات حين انسحبت أميركا من الهند الصينية ثم عاودت، بنجاح، الهجوم الاستراتيجي الشامل

الإجابة على هذا السؤال ليست بالأمر الهين. إذ أنها يجب أن تنتظر إما نهاية ولاية أوباما الحالية بعد ثلاث سنوات بصفتها المسؤولة عن تخبط الزعامة الاميركية على هذا النحو الخطير، أو أن تقوم إدارة أوباما نفسها بخطوات مفاجئة في السياسة الخارجية لمحاولة استعادة زمام المبادرة الدولية.
بيد أن مجلة إيكونوميست، الرزينة عادة، لم تنتظر بل هي قفزت فوراً إلى التشديد على مسألة الانسحابية الأميركية، من خلال شن حملة عنيفة للمرة الأولى على الرئيس الأميركي أوباما والدول الأوروبية الأخرى، واتهمتهم باضعاف الغرب وضعضعة موقعه في العالم. كما توقعت أن تنشط روسيا والصين الآن لـ”ملء” الفراغ الذي يتركه الغرب في العالم.
وأضافت المجلة، في مقال احتل غلافها وافتتاحيتها الرئيس هذا الأسبوع، أن “روسيا أضعف كثيراً من أن تستعيد النفوذ السوفييتي السابق في الشرق الأوسط، لكن أداء الغرب في الأزمة السورية بعد عقد من غزو العراق، أوضح إلى أي مدى تقلّص النفوذ الغربي. والمؤسف أن قلة من الأميركيين والأوروبيين يهتمون بذلك”.
الافكار الرئيسة الأخرى في الافتتاحية:
– صفقة نزع السلاح الكيميائي السوري مهلهلة. صحيح أن أوباما احتفظ بحق استخدام القوة العسكرية وأن بوتين قد يريق ماء وجهه إذا ما خرق الرئيس الأسد الاتفاق، إلا أن ما يهم هذا الأخير ليس اضعاف الأسد بل الظهور بمظهر المتساوي مع الولايات المتحدة. ولأنه يعلم أن أوباما يحتاجه، فإنه قد يعمد إلى إطالة الأزمة السورية.
– صدقية الولايات المتحدة قد تقوّضت، ليس فقط في سورية بل أيضاً في الشرق الأوسط. وهذا عكس ماحدث غداة نهاية الحرب الباردة حين تصرّف الغرب بتصميم وخيال خصب. إن مشكلة الغرب الكبرى تكمن في الأرث المُشل لحربي العراق وأفغانستان. ومما فاقم من هذه الأزمة ضعف الاقتصاد في أوروبا والسياسات الحزبية الشرسة في أميركا.
– والآن، فإن كل طاغية في العالم يعرف أن الخطوط الحمر التي يضعها زعيم العالم الحر ليست أكثر من مجرد تهديد ويحتاج إلى موافقة الكونغرس عليها. ولذا فهو سيكون حراً وطليق اليد في ذبح شعبه واقتناء أسلحة الدمار الشامل. كما أن روسيا والصين ستكونا أكثر تصميماً على اختبار عضلاتهما في الفراغ الذي يتركه الغرب.
– II –
صحيح أن الأيكونوميست اختتمت افتتاحيتها بالقول أن “الغرب ليس في انحدار لايرحم نحو التهميش. الأمر أبعد كثيراً من ذلك. فالاقتصاد الأميركي يستعيد عافيته والفورة في النفط والغاز الصخريين قوّضت الاوتوقراطيات التي تتغذى من الطاقة”، إلا أنها عادت إلى الشكوى من تدهور مصداقية الغرب وضعفه.
فهل يعني ذلك أنها تميل إلى الاطلالة على التراجع الغربي الراهن بوصفه انحساراً تاريخياً للزعامة الغربية في العالم؟
لايبدو أن الأمر كذلك.
لكن هنا ثمة ماقد يكون أدهى. فصورة التقهقر الغربي ستكون واضحة وفاقعة بالنسبة إلى قوى كبرى أو صاعدة مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل والنمور الآسيوية، هذا ناهيك عن دول حليفة لأميركا كاليابان وكوريا الجنوبية واندونيسيا التي لن تقرر على الأرجح الانتظار لمعرفة ما إذا كان التراجع الأميركي تكتيكياً أو استراتيجيا، مؤقتاً أو دائما، بل ستبدأ من الآن بالبحث عن حلفاء جدد في نظام عالمي جديد.
وإذا ماحدث ذلك، والأرجح أنه سيحدث إذا ما استمر التخبط الأميركي، فسنكون فعلاً أمام منعطف تاريخي كبير في النظام الدولي.
لماذا؟
لأن التاريخ يعلمنا أنه يمكن للامبراطوريات الكبرى أن تنحدر وتبقى على قيد الحياة طويلا من دون أن تسقط، إذا لم يتوافر بديل لها. أما إذا ماتوافر هذا البديل، كما حدث مثلاً مع الامبراطوريات الرومانية والفارسية والعثمانية والبريطانية، فإن الانحدار سيعني حتما الاندثار.

السابق
حوري: حزب الله ما زال يمارس سياسة الإستقواء وفرض الرأي على اللبنانيين
التالي
كتلة المستقبل: الانتشار في الضاحية اعتراف من حزب الله بفشل تجربة الأمن الذاتي