آخر قرارات حزب الله

يُجيد “حزب الله” إتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وإن لم يُصِب في بعض الأحيان. آخر قرارات “حزب الله”، تسليم أمن الضاحية الجنوبية لبيروت إلى قوة مشتركة من الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، بعد نحو شهر من محاولة إقفال الضاحية أمنياً أمام استهدافها بسيارات مفخخة.

لماذا وما هي أبرز الملاحظات؟

1 – يرى فريق من اللبنانيين أن تجربة الأمن الذاتي فشلت مع إضطرار “الحزب” الى تسليم المهمة للدولة. لكن الواقع أن الأمن الذاتي في الضاحية كان قبل انفجاري بئر العبد والرويس، وسيبقى بعد انتشار القوة الأمنية.

2 – يستحيل على “حزب الله” أن يُسلّم أمنه فعلياً في عقر داره وفي أشدّ الأوقات حراجة، حيث يتوزّع مقاتلوه بين جبهات القتال في سوريا وفي خنادق المواجهة مع إسرائيل، وحيث تنشط أجهزة مخابرات عالمية وإقليمية في رصده. لن يترك “الحزب” المعابر والساحات، بل إن شبابه سينتشرون بلباس مدني على مقربة من كل الحواجز الرسمية، وبعيداً عنها… يُدققون في السيارات والمارة، وفي أداء القوى الأمنية التي ستكون صلاحياتها ومهامها محدّدة بدقة: التفتيش عن متفجرات وأسلحة وذخائر، وتوقيف كل مخلّ بالأمن، والتنسيق مع جهاز أمن “حزب الله” منعاً لحصول أي إشكال. أي إن الأمن سيكون لـ “الحزب” وليس على “الحزب”.

3 – يُعتبر الإتفاق بين الدولة و”حزب الله” خطوة مهمة تذكّر بالقرار الدولي 1701 الذي رفع “فيتو” الحزب عن انتشار الجيش في الجنوب منذ العام 2006، ولكنه ليس في أهميته ورمزيته.

ويُشكل تحوّلاً، من تجربة الأمن الذاتي الى الأمن بالتراضي، وقد لجأ اليه “الحزب” بسبب ما واجه من إعتراضات من ناسه وأهله، الذين بدأوا التذمّر من الإنعكاسات السلبية على إقتصاد الضاحية، ومن الإنتظار على الحواجز للتدقيق والتفتيش، ومن إشكالات مع دبلوماسيين سعوديين وكويتيّين، وإعلاميّين لبنانيّين، وكوادر فلسطينية على مشارف مخيم برج البراجنة.

4 – هذه الخطة، ككل الإجراءات التي تبدأ حماسية عادةً، وسرعان ما تفقد وهجها وزخمها، معرّضة لتصبح روتينية وخاضعة لعوامل الإرهاق والمراجعات والمحسوبيات.

وفي كل الأحوال، لا أحد يضمن عدم حصول إختراق أمني مهما كانت التدابير حازمة، لأن العمل الإرهابي والمخابراتي يقوم أساساً على استراتيجية الإختراق والعمل السرّي خلف خطوط العدو المستهدف. وستتحمّل الدولة مسؤولية أي إختراق، وليس “حزب الله”.

5 – المشكلة الأمنية في الضاحية وسائر المناطق، هي مشكلة الفراغ والفوضى التي تجتاح البلاد، من جراء تداعيات الأزمة السورية، وتدخّل بعض اللبنانيين فيها. والحل الحقيقي يكون باتخاذ قرار سياسي استراتيجي، يتمثّل بالإنسحاب من سوريا وتعطيل مبرر الإستهداف ، وليس تكتيكياً عبر مجرد نشر قوة أمنية.

“حزب الله” بعد الصفقة الأميركية-الروسية بدأ يعيد حساباته. قرّر عدم القتال في ما بعد حمص، أي في معركة حلب المقبلة، والإكتفاء بالبقاء في القرى الشيعية لحمايتها من عمليات إنتقام. ويُشرك القوى الأمنية في مسؤولية حفظ أمن الضاحية. فهل يُعيد شبابه إلى ديارهم في أقرب فرصة؟

السابق
14 آذار: المطلوب من الدولة بسط سيطرتها على كامل التراب اللبنان
التالي
طرابلس تنتظر خطتها الأمنية