المستقبل يوافق على الثلاثية

تأتي مبادرة الرئيس نبيه بري الحوارية الجديدة في توقيت حساس ومفصلي من عمر المنطقة التي تعيش مخاضاً عسيراً وتبدلات تحت النار لم تتضح معالمها بعد. لبنان في نظر نبيه بري اليوم كمحكوم بالاعدام يتحسّس رأسه قبل تنفيذ الحكم به، هو ليس حكم “قصاص شرعي عادل” لذنب اقترفه او لجريمة ارتكبها بل لانه يدفع ثمن الموقع الجغرافي الواقع بين حليف مأزوم وعدو شرس متربص. وهو يسدد فاتورة الانتماء الى جبهة مقاومة عريضة اخرجت اسرائيل من بيروت واسقطت اتفاق 17 ايار ولا تزال رأس حربة في مواجهة هذا العدو الذي لن يتحول بالنسبة اليها الى غير ذلك في المدى المنظور. نبيه بري بحنكته المعهودة وتفكيره السياسي بعيد المدى اختار توقيتاً مثالياً لاطلاق مبادرة يعرف ان الشظايا ستصيبها من كل حدب وصوب لكنه مقتنع تماماً بما قام به ويؤكد امام سائليه ان لا بديل عن الحوار امس وغداً وبعد غد ولبنان لا يعيش الا على اتفاق بين مكوناته ومهما طال الزمن سيعود المتخاصمون الى اللقاء للتوافق والا فالبديل معروف ومن احتكم الى البندقية عرف مضارها وذاق لوعتها وعاد ليرميها ويلتحق بركب الحوار والتلاقي. ويشعر بري اليوم اكثر من اي وقت مضى ان الحوار حاجة ضرورية وملحة تؤطّر الخلاف وتمنع انفلاشه في ارض خصبة لكل الخلافات وتغذيتها. الحصيلة التي خرج بها موفدو بري الثلاثة لشرح مبادرته قرأ بري بين سطورها وعرف انه “نصب” فخاً لتيار المستقبل والقوات اللبنانية تملص منه بذكاء وحرفة الرئيس امين الجميل وهو من خبر دهاء بري السياسي اكثر من مرة اما النائب وليد جنبلاط فهو رجل حوار وعراب التفاهم بين المتخاصمين ولا يمكنه بواقعية السياسة و”عشرة العمر” ان يرد بري خائباً، فجنبلاط نفسه يشعر انه كما لبنان في موقع لا يحسد عليه فليس في الامكان افضل ما كان، لم تثمر جهوده الحثيثة في تشكيل الحكومة الجامعة لكنه كرس نفسه الحصان الرابح الذي لم يفز في السباق، ولم يخسر. الرئيسان ميشال سليمان ونجيب ميقاتي بدورهما يدركان انهما في وضع لا يحسدان عليه فالاول يقول انه يريد تسليم البلاد بعد انتهاء ولايته الى حكومة اصيلة وجامعة ولا تمتهن الفراغ والتعطيل. امام الثاني ورغم انه ما زال دولة الرئيس المستقيل والمتربع على عرش السراي ويعيش دوامة القلق وادارة شؤون البلاد بـ”القطعة” وباستنسابية مثيرة للدهشة كما لم يتمكن من الخروج من دائرة الاتهام، فما زال الرئيس السعودي المنشأ السوري الهوى ويدور في فلك “حزب الله” وايران والاهم من هذا كله انه يحاول الموازنة بين النطاق الضيق لتصريف الاعمال وحساباته السياسية المطلوبة لتشكيل “زعامته الطرابلسية” المأمولة. وحدهما المستقبل والقوات او ما تبقى من جناح المملكة العربية السعودية الفعال مستمران في اطلاق القذائف الدخانية ونثر الغبار في عيون الخصوم عند كل استحقاق. حلفاء المملكة ولو نزه سفيرها في لبنان بلده عن التدخل في اللعبة السياسية الداخلية فهي تحاول العودة الى ساحته الرئيسية التي اعتادت ان “تسرح وتمرح” فيها خلال عقود خلت وهذا ليس ممكناً بعد خسارة الرهان على “ضربة كيميائي سورية ” الا من باب تسوية ايرانية – سعودية تكون انعكاساً لتسوية اميركية روسية ايرانية وهذه التسوية التي يراها حلفاء سورية وايران في لبنان وفي مقدمهم حزب الله على قاب قوسين او ادنى من التحقق في اسابيع او في اشهر معدودة على ابعد تقدير طبعاً “اذا نفذ ما اتفق عليه” في قمة العشرين في سان بطرسبرغ منذ 10 ايام، وتلبية زيارة الحج للشيخ حسن روحاني الى المملكة لن تقتصر على واجب ديني فقط للرئيس الايراني الجديد بل ستكون فاتحة عهد جديد بين المملكة والجمهورية الاسلامية.
ما خرج به قادة “المستقبل” و”القوات اللبنانية” ولو حاولوا الايحاء بانهم فريقان كبيران ينسقان الخطوات والمواقف، لا يعكس الا رغبة سعودية بالتصعيد العلني والتفاوض السري فيما اكثر من نائب مستقبلي يصدح بالسقوف العالية كان يهمس عبر قنوات مشتركة اشارات ايجابية الى حزب الله وحلفائه ومنها موافقته المبدئية على مناقشة البيان الوزاري للحكومة بما فيه معادلة الشعب والجيش والمقاومة على طاولة الحوار اذا ما تمت. وهذا واذا فسرته قيادة الحزب وحلفاؤها على انه بداية تراجع او استدارة “مستقبلية” كما جرت العادة في ظل تراجع المشروع الاميركي- السعودي في سورية لكنها لا تعول كثيراً عليه لان “الطبخة” لم تنضج وهذا يعني بالتأكيد تأجيل التشكيل الى ما بعد انعقاد طاولة الحوار وربما الى ما بعد  تشرين الاول بكثير.

السابق
مادورو يصل الصين بعد جدل حول مرور طائرته فوق الأراضي الأميركية
التالي
قدرة حزب الله الصاروخية هي الثامنة عالمياً