لبنان يخسر أولى جولاته النفطية!

آمال عريضة عُلقت وتعلق على الثروة النفطية والغازية الكامنة في بحر لبنان، وهي لما تزل مجرد حبر على ورق الدراسات الدولية. استعجل اللبنانيون في ضرب مواعيد استخراجها وتوزيع عائداتها. البعض خصص منذ الآن الدفعة الأولى للتخفيف من عبء الدين العام، والبعض الآخر بدأ يستعد لعصر التنمية والبحبوحة… لكن الصفعات المتلاحقة على خدّ هذا الحلم لم تتأخر، لتدخل الآبار الافتراضية في الدهاليز اللبنانية والدولية.

وقت طويل وثمين ضاع في بداية الطريق قبل أن يقر مجلس النواب قانون النفط، ثم ضاعت أشهر وأشهر في انتظار ولادة هيئة إدارة قطاع البترول، بعدما احتاج التوافق على تعيين أعضائها تبعا للانتماءات الطائفية والولاءات السياسية الى مخاض صعب.

وفي موازاة التحرك البطيء للسلحفاة النفطية اللبنانية، كانت إسرائيل تنشط بسرعة لإنجاز الاجراءات العملية للمباشرة في التنقيب عن النفط في المياه الفلسطينية المحتلة.

وبالفعل، سرعان ما انتصبت قبالة حيفا معدات الحفر، فيما كان العدو يحاول على خط آخر أن يفرض أمرا واقعا على لبنان عبر السعي الى قضم أجزاء من المنطقة اللبنانية الاقتصادية الخالصة ووضع اليد على آبار موجودة في مناطق متنازع عليها او متاخمة للحدود البحرية.

كان يفترض بالخطر الاسرائيلي الداهم أن يدفع الطبقة السياسية اللبنانية الى شيء من الصحوة، لاستدراك ما فات… وحماية الحقوق النفطية الوطنية. إلا أن العكس حصل، وبدل ان تُطلق آلية المناقصة في 4 تشرين الثاني المقبل، تقرر تأجيلها الى 10 كانون الثاني، بعدما حالت الخلافات دون انعقاد حكومة تصريف الأعمال لإقرار مرسومين، ينظم أولهما العقود مع الشركات ويتعلق الثاني بعدد «البلوكات» النفطية التي سيتم تلزيمها.

والخبر السيئ هنا، لا يكمن فقط في إرجاء إطلاق المناقصة وما يستتبع ذلك من تعديل للروزنامة النفطية، وإنما في الآثار الجانبية المترتبة على التأجيل الذي من شأنه ان يلحق الضرر بسمعة لبنان ومصداقيته ويهز ثقة الشركات الدولية في قدرته على إدارة ملف التنقيب عن النفط، لاسيما ان أسباب التأجيل مريبة، وتتجاوز ما هو مألوف في مثل هذه الحالات.

والمفارقة أن لبنان الرسمي يبدو وكأنه لا يدرك قيمة الوقت وأهمية السباق مع الزمن وإسرائيل. ولعله ليس من المبالغة في شيء القول، بأن كل يوم يمر هباء، هو مكلف ومن شأنه توسيع الفجوة بيننا وبين الآخرين.

وفي المعلومات أن بعض الشركات الدولية بدأت تعطي إشارات حول امتعاضها من سلوك الدولة اللبنانية الذي يتسم بالخفة، وخصوصا أن هذه الشركات تتعامل بجدية تامة وحرفية كاملة مع متطلبات الملف النفطي، وقد بلغ مجمل ما أنفقته عشر منها لشراء معلومات وتأمين شروط قبولها في المناقصة ما يقارب 129مليون دولار أميركي.

وكما في كل قضية خلافية، تتعدد الاجتهادات والروايات، حتى تكاد تضيع المسؤولية. وفي هذا السياق، هناك من يقول إن الرئيس نجيب ميقاتي تعمد «تطيير» حكومته «في ليلة ما فيها ضو قمر»، للهروب من الالتزامات والاستحقاقات النفطية. أصحاب هذه الرواية، يعتبرون أن الخلاف على النفط هو سياسي وليس تقنيا، وأن ثمة قرارا خارجيا بإبعاد «التيار الوطني الحر» عن تحقيق إنجاز نفطي نوعي وأية شراكة في رسم الخيارات النفطية الإستراتيجية.

وربطا بهذا الاستهداف، يقول العونيون إنه تقرر نزع وزارة الطاقة من «التيار الحر» في الحكومة المقبلة تحت شعار المداورة في الحقائب، وهو الأمر الذي يرفضه العماد ميشال عون بشدة.

أما ميقاتي نفسه، فهو يحمّل الآخرين من شركائه في سلطة تصريف الأعمال المسؤولية عن التأخير في إجراءات المسار النفطي، ويشير الى بعضهم بالإسم في مجالسه الخاصة، أما في العلن فيتجنب الانزلاق الى التسمية، موحيا بأن في فمه ماء.

في المقابل، لا يخفي المتمايزون عن «التيار» في «فريق 8 آذار» وفي بعض أوساط «الكتلة الوسطية» امتعاضهم من طريقة إدارة وزارة الطاقة للملف النفطي، معتبرين أنها تتجاوز الحقائق الموضوعية وتهدد مصالح لبنان في القطاع البترولي.

وربما يكون الخلاف على كيفية مقاربة «البلوكات» النفطية المفترض تلزيمها، أحد الأمثلة المعبرة عن الاستقطاب الحاد بين أطراف «المعادلة البترولية». يتمسك فريق الرئيس نبيه بري بتلزيم كل «البلوكات» مجتمعة، على قاعدة حماية حق لبنان باستثمارها كلها في مواجهة الأطماع الإسرائيلية، بينما يدعو وزير الطاقة جبران باسيل الى التلزيم المتدرج الذي يبدأ من «بلوكات» محددة ثم يتوسع تدريجيا مع اكتساب المزيد من الخبرة، معتبرا أن أي خيار آخر سينعكس سلبا على انتظام المناقصة ومشاركة الشركات فيها.

وعلمت «السفير» أن الموضوع النفطي استأثر بحيّز من اللقاء الذي جمع، أمس، العماد ميشال عون بكل من المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين خليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا، بحضور الوزير باسيل.

وقد تم خلال اللقاء إجراء نوع من التقاطع في المعطيات والمعلومات المتوافرة لدى الطرفين بخصوص المعوقات التي تؤخر استكمال الآلية الإجرائية لعملية التنقيب عن النفط، بعدما توقفت عند محطة المرسومين العالقين.

وعلم أن عون وباسيل أخذا على الحزب صمته حيال العراقيل التي توضع في طريق الملف النفطي وعدم وقوفه الى جانب التيار في هذه المعركة، فكان توضيح من خليل بأن الحزب يفعل اقصى ما يمكن القيام به لتسريع الخطوات نحو إطلاق المناقصة النفطية، إنما من دون ضجيج. لكن باسيل اعتبر أن الدعم الصامت ليس كافيا، ويجب تسييله الى مواقف ضاغطة.

وفي حين يستعجل باسيل عقد جلسة للحكومة من أجل البت بالمرسومين العالقين، قال الرئيس نجيب ميقاتي لـ«السفير» إن الأولوية الملحّة حاليا هي لتشكيل حكومة جديدة، معتبرا أن معالجة هذا العنوان الاساسي تسهل لاحقا التعامل مع الملفات العالقة وبينها الملف النفطي.

وأشار ميقاتي الى أن الأسباب التي حالت دون عقد جلسة استثنائية لحكومة تصريف الأعمال من أجل إقرار المرسومين النفطيين لا تزال قائمة، مشيرا الى وجود ملاحظات عدة من بعض الاطراف، لا يمكن تجاهلها، وخصوصا أن مسألة دقيقة وحيوية كهذه تتطلب نوعا من الإجماع.

كما اعتبر أن هناك سؤالا أساسيا يتطلب إجابة واضحة وهو: هل أن حكومة تصريف الاعمال مؤهلة لأن تأخذ على عاتقها شأنا إستراتيجيا يتصل بالنفط؟

وقلل ميقاتي من مخاطر ومساوئ تأجيل إقرار المرسومين، مشيرا الى أن الأمر ذاته حصل في قبرص.

أما باسيل فقد أبلغ «السفير» أن الجميع مسؤولون عن التأخير الحاصل في المسار النفطي، إما بالصمت وإما بالتواطؤ، وكلٌ له أسبابه التي قد تفترق في مكان وتجتمع في مكان آخر، لافتا الانتباه الى أن هذه الأسباب تبدأ بما هو سياسي ويتصل بخدمة مصالح إقليمية وتنتهي بما هو نفعي ويصب في خانة الصناديق والحصص. ونبّه باسيل الى أن الخطورة ليست ناتجة عن إرجاء إقرار المرسومين، وإنما عن الدلالات التي يحملها هذا التأجيل وانعكاساته على الشركات التي كانت متحمسة للإنخراط في المناقصة، إلا أن شعورها بعدم اتباع الشفافية في تفسير دوافع التأجيل قد يجعلها في لحظة ما تصرف النظر عن المشاركة في المناقصة.

السابق
لم نستعمل الأسلحة الكيميائية بالغوطة
التالي
أوباما واختبار إيران!