من يعطل حراك رئيس المجلس؟

ما أن التقى الرئيس الروسي بوتين والأميركي اوباما على هامش «قمة العشرين» الأخيرة، وإعلان توافقهما حول أساس لإنهاء الحرب على سوريا، حتى استفاقت الحياة السياسية من ثباتها، فعاد الحديث عن تشكيل الحكومة وصدر بيان عن القصر الجمهوري أوضح مبادئ «إعلان بعبدا»، وتكررت ردات الفعل الايجابية على ما اقترحه رئيس مجلس النواب نبيه بري على رئيس الجمهورية لجهة الدعوة لعقد مؤتمر الحوار الوطني.. والبقية تأتي فور التوافق حول الصيغة «البوتينية ـ الأوبامية» التي ستعتمد لتطبيق أساس الحل.
ولكن التناغم الداخلي مع الأجواء الدولية لم يظهر حتى اليوم إلا شكلياً، فلا التجاوب مع ما اقترحه رئيس المجلس تكرس بإجراء فعلي، واقتصر على التأييد الكلامي أو عدم معارضته، ولا المكلف تشكيل الحكومة كثف العمل لتشكيلها، كما ان ما أوضحه رئيس الجمهورية، رغم أهميته في حل احدى العقد الأساسية التي يتلطى حولها العازفون عن الحوار، لم يلق تجاوباً، وهكذا…
في ظل هذا الواقع الذي أصاب البلد بالهريان، تبرز مبادرة الرئيس بري الحوارية وكأنها التي تمثل «نقطة القطران» الفريدة التي يمكن ان توقف اضطرار الهريان أو تزيله من الأساس، إذا ما صدقت النيات، فلماذا لم يتم تلقفها واستغلال لحظة التوافق الدولي الحاصل ولو كان في بدايته؟ إذا كانوا «هم التقوا وتحاوروا فلماذا لا نلتقي ونتحاور؟».
الملفت ان بعض ردات الفعل السلبية على المبادرة للحوار استندت إلى ذريعة رفضها ما جاء في بندها الأول المتعلق بـ«شكل وبيان الحكومة الجديدة». ففي الشكل، لم يضع رئيس المجلس هذا البند أولاً من بين ستة بنود تضمنها جدول اعمال المؤتمر الذي اقترحه. فالحوار حول شكل الحكومة وبيانها الوزاري هو المساعد على حل جميع البنود الخمسة المتبقية، ويصبح البحث فيها يتعلق بالتفاصيل ومن يقرأ بنود الجدول المقترح يدرك ذلك بسهولة. ولكن هناك من يسجل على البند الأول ملاحظة ينطلق منها للدلالة، ولو ضمناً، على معارضته للدعوة، فيرى ان شكل الحكومة وبيانها الوزاري هو من صلاحيات المكلف التشكيل بعد توافقه مع رئيس الجمهورية. وللتوضيح هنا، هذا السبب الذي يصفه البعض بالدستوري هو دستوري بامتياز، أو انه لا يتعارض مع أحكام الدستور. فالبيان الوزاري، الذي هو العقدة الأساسية في هذا البند، لا يضعه الرئيس المكلف التشكيل ولا رئيس الجمهورية إنما لجنة وزارية تمثل كل القوى السياسية المشاركة في الحكومة ويجري التصويت عليه في جلسة لمجلس الوزراء. ولهذا فإن التوافق حول مضمون البيان ليس اعتداء على صلاحيات، ولكن بالعكس من ذلك تماماً، فإن التوافق بالحوار حوله يسهل إلى حد بعيد إنجاز شكل الحكومة والبحث في الاستراتيجية الوطنية للدفاع وبقية بنود جدول الأعمال المقترح.
أما شكل الحكومة فلا يفسد للود قضية، كما يقال، فالتوافق حول البيان الوزاري ومضمونه هو الذي يحدد الوجوه القادرة على الالتزام بتطبيقه، كما ان الهامش واسع جداً لإنجاز اختيار الأسماء واستبدال اسم بآخر في التشكيلة الحكومة. ولهذا فإن الاعتراض أو تسجيل ملاحظات على جدول اعمال الحوار الذي اقترحه الرئيس نبيه بري استناداً إلى بنده الأول، هو في الواقع رفض المبادرة من أساسها كما العزوف عن تفعيلها عملياً حتى الآن تماماً.
من زمان قال الممثل السوري المعروف باسم حسني البرزان «كي تعرف ما في البرازيل عليك أن تعرف ما في ايطاليا». ويبدو ان مقولة البرزان قد اثبتت دقتها بدخول بلده طرفاً في المعادلة، بحيث أصبحت كي تعرف ماذا يريد سياديو لبنان، عليك ان تعرف ماذا يجري في سوريا… وجنيف.
السابق
علماء صور: للحفاظ على وحدة لبنان
التالي
تفاهمات جنيف الاستحقاقات الواقعيّة