أوباما: ضعف أم حصافة؟

باراك اوباما

– I-
هل باراك أوباما رئيس ضعيف للغاية أم حصيف للغاية؟
الآراء منقسمة بشدة حول هذا السؤال في كل أنحاء العالم، على رغم وجود إجماع نادر لدى الجميع تقريباً بأنه متردد كثيرا، ومتقلِّب أكثر.
منتقدو الرئيس الشاب، وهم باتوا كثراً الآن في الداخل الأميركي، ينعتونه بأسوأ الأوصاف. فهو، برأي بيل كلينتون، كما ورد في الكتاب الأخير للكاتب الأميركي البارز إدوارد كلين بعنوان “الهاوي” (The Amateur)، “غير كفؤ وغير قادر على القيام بواجبات البيت الأبيض. أنه هاوٍ ولايعرف كيف يكون رئيساً، كما لايعرف كيف يعمل العالم”.
مواقف أوباما من تطورات الأزمة السورية الراهنة، توحي بأن كلمات كلينتون دقيقة حرفاً بحرف. فهذا الرئيس أثبت أنه يستيقظ متردداً وينام متقلّبا. يتخذ قراراً “حاسماً” في الصباح، ويغيّره بـ”حسم” في المساء. وهذا جعله وإدارته تتخبطان خبط عشواء في كل خطوة قامت بها حيال هذه الأزمة السورية. كما جعل الدولة العظمى الوحيدة في العالم تبدو أشبه بكرة تتقاذفها دول كبرى ومتوسطة وصغرى على حد سواء.
نقطة البداية في هذا التخبط، التي تجرأت صحيفة “فايننشال تايمز” المتطرفة في رزانتها وتحفظها على وصفها بأنه بات “كوميديا”، كانت في لحس الرئيس الأميركي تهديده السنة الماضية بمعاقبة النظام السوري “في حال تجاوزه الخط الأحمر الكيميائي”، رغم اعترافه مؤخراً أن النظام استخدم الأسلحة الكيميائية 11 مرة ضد شعبه.
ثم توالت بعد ذلك فصول هذه المسرحية: من قرار أوباما توجيه ضربة عسكرية سريعة للنظام السوري وقيامه بحشد الأساطيل الأميركية في شرق المتوسط استعداداً لذلك، إلى قراره في ربع الساعة الأخير من الموعد المحدد للضربة التراجع وإحالة الأمر إلى الكونغرس. هذا على رغم أن أوباما كان يعلم سلفاً أنه سيواجه معارضة شديدة من مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، وأنه قد يتعرض إلى هزيمة سياسية نكراء قد تجعله أول رئيس أميركي في التاريخ يتحول إلى “بطة عرجاء” قبل ثلاث سنوات كاملة من انتهاء عهده.
– II –
وجاء الفصل الأخير حين وافق أوباما على وضع كل بيضه في سلة روسيا وسورية، بعد أن وضعها في سلة الكونغرس، من خلال موافقته على اقتراح موسكو بوضع الأسلحة الكيميائية السورية في عهدة الأسرة الدولية، وهو أمر سيتطلب في حال تطبيقه سنوات طوال.
يقول هنا إيان بريمر، رئيس فريق أوراسيا، أن “تذبذبات وتقلبات السيد أوباما حول الضربة العسكرية لسورية، سيكون لها تأثيرات ضخمة على مصداقية السياسة الخارجية الأميركية. فحلفاء الولايات المتحدة (مثل السعودية وبقية دول الخليج والفيلبين وسنغافورة وحتى اليابان) سيكونون قلقين حيال الالتزامات الأميركية المقدمة إليهم”.
هذا عن نقاد أوباما. فماذا عن أنصاره؟
يقول هؤلاء، بمن فيهم الرئيس الأسبق كارتر والدبلوماسي الأميركي البارز جيريمي شابيرو، أن انتقاد أوباما من موقع الربط الشديد بين الضربة العسكرية وبين المصداقية الأميركية، أمر مخطيء ويجر سريعاً إلى تكرار الحربين الفيتنامية أو العراقية.
ويضيفون أن أوباما، وعلى رغم تقلباته المزعجة والمحيّرة، كان حصيفاً حين حاول بكل امكاناته تجنب استخدام العصا الغليظة التي لطالما استخدمها جورج بوش. اما الحديث عن أن عدم توجيه ضربة إلى سورية سيشجع إيران على المضي قدماً في مشروعها النووي من دون رادع أو خط أحمر أميركي، فهي محاججة مردودة لأن طهران تواصل أصلا قبل منذ سنوات من اندلاع الأزمة السورية هذا المشروع.
– III –

من على حق في هذا الجدال؟
المعسكر الأول، لكن ليس فقط لأن أوباما كان متردداً عسكرياً ومتقلباً استراتيجيا، بل لأنه أدخل الشلل إلى الدبلوماسية الأميركية. وهنا يجب أن نتذكَّر أن الولايات المتحدة حققت أبرز انتصاراتها (عدا في الحربين العالميتين الأولى والثانية) من خلال الدبلوماسية لا الحرب: من جذب هنري كيسينجر الصين إلى المحور الأميركي خلال الحرب الباردة، إلى نجاح جيمس بيكر في حشد العالم ضد نظام صدام حسين عشية غزو العراق، مروراً بالعمل الباهر الذي قام به ريتشارد بروك في استعادة الثقة الجيواستراتيجية للولايات المتحدة لدى بلدان جنوب شرق آسيا غداة هزيمة فيتنام.
أوباما كان في وسعه أن يحقق مثل هذه الانجازات الدبلوماسية من دون ضربات عسكرية، أو أن يحقق “النصر من دون حرب” (على حد تعبير ريتشارد نيكسون في كتابه الشهير). لكنه لم يفعل. وهذا ما جعل مؤسسة الدراسات الاستراتيجية والدولية الروسية على حق حين قالت قبل أيام أن أوباما “سيُثبت أنه أضعف رئيس، وأكثرهم غير قابلية للتوقع، في كل التاريخ الأميركي”.
أما الحديث عن نصر حققه أوباما من خلال موافقة روسيا على تجريد سورية من أسلحتها الكيميائية، فهو سابق لأوانه، لأنه ليس ثمة ضمانات البتة بأن مثل هذه الصفقة ستنجح.

السابق
فيل صغير يبكي على فراق أمه
التالي
عن مقاومة بلا عملاء وتجار مخدرات