اعلان بعبدا ميثاقي

قدر لبنان أن يعيش في أزمة دائمة تتغيّر أمواجها على السطح مع ما يحدث في المنطقة، ويبقى ما في العمق ثابتاً. وخياره أن يتعايش بكل الوسائل مع الأزمة الدائمة والأزمات التي تتوالد منها وتتراكم فوقها: بالحروب مرات، بالتسويات مرات، وبالفراغ في المؤسسات مرات.
ولا مرة كنّا كما نحن عليه اليوم، حيث قمة البؤس الوطني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني. فالحروب واقعة وغير واقعة في آن. والآفاق مسدودة أمام التسويات. والفراغ في المؤسسات يكاد يصبح القاعدة بدل أن يكون الشواذ.
وليس في المسار سوى التراجع. فقد قضينا عقوداً في الدوران حول سؤال بقي بلا جواب: أي لبنان نريد؟ وتجاوزنا زمن السؤال: لبنان الى أين؟ ولم نعد حائرين أمام سؤال: أين يقف لبنان؟ فالكل يجمع اليوم، ولو من مواقع الانقسام، على القول اننا في المهوار. والكل يتبارى في توصيف الاخطار على لبنان من دول خطوة عملية لمواجهة المخاطر. متى تأليف حكومة صار مهمة مستحيلة، مع ان الكل يدعو الى الاسراع في تأليفها. وأخطر ما في المخاطر ليس فقط العجز عن المواجهة بل أيضاً الرهان عليها في تقوية المواقف في الصراع على السلطة.

وليس أمراً عادياً أن تجد رئاسة الجمهورية نفسها مضطرّة لاعادة التذكير بما جرى في جلسات الحوار من نقاش وتعديل تعابير قبل الموافقة بالاجماع على اعلان بعبدا. فهي تتمسك به كإطار ميثاقي ينقذ لبنان من المخاطر أو أقله يخفف من انعكاساتها. وهي، بعدما أصبح من وثائق الجامعة العربية والأمم المتحدة، تطالب دول المنطقة والعالم بالحرص على تحييد لبنان وتجنيبه أهوال الصراعات الاقليمية والدولية. لكن الخروج عليه هو سياسة لأكثر من طرف في الداخل. والطرف الأضعف هو الذي يرى أن سياسة النأي بالنفس رأس الحكمة.
ذلك أن المسؤول الذي هو، نظرياً، صاحب القرار لا يستطيع دفع المشاركين في حرب سوريا الى التقيد بتحييد لبنان عنها. واللا مسؤول هو صاحب القرار العملي أو منفّذ ما يطلبه أصحاب القرار في الخارج. وحين يكون الدستور على الهامش، فإن من السهل على أي طرف القول إن اعلان بعبدا ولد ميتاً. وعندما يكون لبنان اللبناني محكوماً بواقع الانقسام بين لبنان الايراني – السوري ولبنان السعودي – التركي – الأميركي، فإن النأي بالنفس يبقى حلماً.
وما أكثر الدعوات الى الحوار وأقل الحوار وسط طوفان السجال، كأننا في مسرح العبث. ولا شيء يشبه حالنا أكثر من مسرحية الأيام السعيدة لصموئيل بيكيت. فالبطلان في المسرحية يتحاوران ويتساجلان والرمل يتراكم فوقهما الى أن يغمرهما تماماً. وما يسقط فوقنا، ونحن نتساجل، أكثر من الرمل.

السابق
بوغدانوف: المحادثات بين لافروف وكيري تجري في أجواء عملية
التالي
دولة الانتظار: سيري وعين الله ترعاك!