واشنطن فاجأت حلفاءها

على رغم ابقاء الرئيس الاميركي باراك اوباما الضربة العسكرية ضد النظام السوري خيارا محتملا موضوعا على الطاولة، فان مراقبين سياسيين وديبلوماسيين لم يعودوا يرونها خيارا فاعلا وان كان يستخدم للضغط على النظام وحلفائه في لعبة الافادة من الخيار الديبلوماسي. اذ ان الرئيس الاميركي غير الراغب اصلا في اي عمل عسكري فقد اللحظة المناسبة لأي ضربة عسكرية بعدما تمت تهيئة العقول والنفوس لها في المنطقة وأجهضت تباعا بقرار اوباما العودة الى الكونغرس قبل القيام بها ثم بتأجيل التصويت عليها تبعا للاقتراح الروسي حول وضع النظام السوري اسلحته الكيميائية تحت رقابة دولية، فضلا عن اعطاء التأجيل او التأخير فرصة لحلفاء النظام لاعتماد مواقف اخرى مختلفة عما كانت ساعات او ايام بعد اعلان اوباما نيته توجيه ضربة محدودة للنظام السوري. ومع تفعيل الروس المبادرة التي اطلقت اولا على لسان وزير الخارجية الاميركي جون كيري بتسليم النظام الاسلحة الكيميائية التي في حوزته الى الامم المتحدة، سلمت الدول الغربية بالعرض الروسي انطلاقا من ان الضربة المحتملة كانت ستتم تحت عنوان تخطي النظام “خطا احمر” وضعه الرئيس الاميركي يحظر استخدام السلاح الكيميائي ولأن هذا السلاح يثير قلق الغرب واسرائيل بنوع خاص من انتقاله الى “حزب الله” او الى المتطرفين السنة. والعمل على موضوع الاسلحة الكيميائية ينطوي على ايجابية لا يمكن تجاهلها. لكن بالنسبة الى المراقبين السياسيين والديبلوماسيين فان التركيز على هذه النقطة وحدها يشبه الى حد بعيد الضربة العسكرية من حيث انها كانت تهدف الى وضع حد لاستخدام النظام السلاح الكيميائي وردعه عن اللجوء مجددا اليه في حين ان محدودية الضربة كانت ستبقي على النظام في موقعه ولن تمس به. ولذلك فان الاسئلة التي تطرح تتصل بما اذا كان التركيز على نزع السلاح الكيميائي او وضعه تحت رقابة الامم المتحدة سيسمح بعودة النظام الى ممارسة حربه ضد شعبه بالاسلحة التقليدية وان المجتمع الدولي سيمضي قدما في غض النظر عن قتل اكثر من 110 آلاف سوري ام ان ثمة بحثا جديا ستفتح عليه المناقشات حول الاسلحة الكيميائية من اجل الوصول الى حل للازمة السورية؟

 

تكشف معلومات متوافرة لدى مصادر معنية ان الاقتراح حول تسليم النظام السوري اسلحته الكيميائية كان مفاجئا لدول اقليمية حليفة للولايات المتحدة واثارعلامات استفهام عدة تتصل بما اذا كان هذا الاقتراح نتيجة اللقاء الذي جمع اوباما مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في بيترسبيرغ، خصوصا ان الدول الحليفة لم تكن في اجوائه مما اثار استياء لديها ما لبث ان شمل رد الفعل الاميركي على الاقتراح الروسي. اذ ان التركيز على موضوع الاسلحة الكيميائية يعطي الولايات المتحدة واسرائيل والغرب ايضا ما يريده في مقابل ترك الحرب السورية تتفاعل لأشهر وربما سنين طويلة او في مقابل حصانة للنظام السوري بموجب تعاونه مع الامم المتحدة لاحقا. ولذلك صدر توضيح عن مساعد مستشارة الامن القومي سوزان رايس “ان اوباما لا يزال ملتزما دعوته الى تنحية الاسد” في اجابة عن تساؤلات على اعادة تعويم النظام في حال تعاونه مع الامم المتحدة خصوصا اذا تم تجاهل محاسبته عن استخدامه هذا السلاح الذي وصفه الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ومسؤولون دوليون اميركيون وسواهم بانه جرائم ضد الانسانية مما يفترض محاسبة النظام على ذلك واحالته على المحكمة الجنائية الدولية تحت هذا العنوان وحده وليس فقط الاكتفاء بوضع الاسلحة الكيميائية تحت الرقابة الدولية. وهو سقف ترفعه بعض الدول الاقليمية ايضا كأحد ابرز العناصر التي يجب ان تؤخذ في الاعتبار في حال فتح ابواب المباحثات حول تسوية للازمة السورية والتي يرى المراقبون انه يمكن الدخول اليها من باب الرقابة او نزع الاسلحة الكيميائية. فما يجري قد يكون ايجابيا من جوانب عدة احدها هو تضاؤل فرصة اللجوء الى الخيار العسكري فيما لا يزال ممكنا الافادة من استمرار استخدامه خيارا محتملا خصوصا اذا تم اقناع الكونغرس الاميركي بالموافقة على اعطاء اوباما الغطاء لضربة عسكرية حتى لو لم يستخدمها. في حين ان الجوانب الاخرى قد تتمثل في العودة الى مجلس الامن للتحرك من خلاله بعدما اصابته الحرب السورية بعطب خطير أثّر في صدقيته وفاعليته بعدما ساهم الفيتو الروسي والاسراف في استخدامه في منح روسيا قدرة كبيرة على مواجهة الولايات المتحدة والدول الغربية في حين ان التحرك من خلاله يعيد الاعتبار للمجموعة الدولية ككل ولمظلتها لاي تسوية في سوريا. كما تتمثل هذه الجوانب في ان استخدام الكيميائي يفتح الباب امام تفاوض روسي اميركي اوسع مدى يعيد الاعتبار الى جنيف – 1 على نحو جدي من خلال فرض وقف للنار اولا وارسال مراقبين دوليين ودعوة الافرقاء الى الحوار على حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تستلم السلطة حتى اجراء انتخابات جديدة، والا فان البديل قد يكون في انعدام فرص الحل السياسي في سوريا لسنوات اخرى خصوصا في حال اعتبر النظام انه ارضى الغرب واسرائيل بتسليم اسلحته الكيميائية واخذ في المقابل “كارت بلانش” لاستئناف او استكمال ما كان يقوم به حتى الآن بحماية روسية مؤكدة اكبر من السابق وليس بحماية ايران وحدها.

السابق
بوتين ينقذ الأسد و.. أوباما
التالي
حقيقة المواجهة الأميركية ـ الروسية