الحزبية الغائبة 7: عن المال والمذهبية والخيبات

احزاب
لا انتمي حاليا الى اي حزب، ولن انتمي لانه لم يقنعني اي حزب، والحزب هو وسيلة. ولكن انا لديّ قضية وهي دولة القانون حيث حقوق المُواطنة فيها مؤمّنة.

في حمأة الصراع السياسي في لبنان تغيب اﻻحزاب عن المشهد ويحل محلها اسم الزعيم أو الطائفة . من جهة يتحول الصراع الى نزاع على مغانم طائفية باستقواء كل طائفة بجهة خارجية، وتغيب المساءلة الشعبية التي تمثلها اﻻحزاب . ومن جهة ثانية ، تتحول هذه اﻻحزاب الى مجرد وقود في محركات اللعبة الطائفية المغطاة من الخارج . فما الذي أوصل الحياة الحزبية الى هذا الدرك؟

‘جنوبية’ تفتح ملف العمل الحزبي في لبنان . وفي ما يلي الحلقة السابعة:

الهواري: من منظمة العمل الشيوعي الى المجتمع المدني

وفيق هواري مناضل يساري ومن كوادر منظمة العمل الشيوعي وهنا حوار معه حول تجربته الحزبية:

متى انتميت الى منظمة العمل الشيوعي، وفي أي سنة تركتها؟ كان انتسابي إليها في عام 1969 وتركتها في العام 2007. كم كان عمرك وقت انتسابك إليها؟ كان عمري حينها 17 سنة. من كان قائدك؟ كان اول من نظمنّي زياد الزعتري الذي خطفته المخابرات الاسرائيلية في صيدا خلال الاجتياح. وانتسبت الى المجموعة حيث كنا نقرأ ونتناقش. وكانت علاقتنا مميزة فيما بيننا”.

لماذا لم تنتسب حينها الى التيار الناصري آنذاك الذي كان في أوجه؟ كانت مدينة صيدا تضم كافة التيارات الا ان استشهاد غيفارا أثرّ فيي كثيراً وأيضاً لا تنسي هزيمة حزيران وتراجع الدور الناصري بالمنطقة.

ما كان نوع عملك بالمنظمة؟ كان لعملي وجهان: الاول شعبي، يتركزعلى توزيع المناشير وجمع التبرعات والمشاركة في حلقات التوعية السياسية. والثاني نقابي يتركز على الانخراط بالعمل النقابي وتنظيم العمال بصفتي مسؤولاعن تنظيم الجماهير.

أود ان اعرف بالتفصيل نظرتك للعمل الحزبي سابقا وحاليا؟ العمل الحزبي يعني التعصب لقضية ما، العمل من أجل تحقيقها، وبالتالي بهذا المفهوم المطروح ليس هناك فرق بين العمل الحزبي السابق والعمل الحزبي الحالي. هناك فرق فقط بوسائل الاتصال وأساليب العمل، واذا كان العمل الحزبي السابق يقوم على قضايا لها علاقة بالناس والوطن مثل قضايا الطبقة العاملة والفقراء وقضية الثورة الفلسطينية وحمايتها فقد كنا نبذل كل الجهد من أجل تحقيقها. في الوقت نفسه كان هناك من عمل عملا حزبياً كوسيلة للتسلق والوصول الى المناصب ولا علاقة للأحزاب الموجودة بذلك. وكان الإنسان ينتسب إليها للوصول الى السلطة والوصول الى امتيازات السلطة والتنّعم بها. الآن هناك طغيان لأحزاب ليس لها علاقة بالناس بل بالمناصب. واليوم الانسان يقصد المسؤول الفلاني للوصول الى السلطة واذا إستثنينا حزب الله الذي كان عنده قضية شدتنا اليه، وكان هناك اجماع عليه، ولما أصبح جزءا من السلطة صار الناس تتقرب منه طمعا بالمركز، وصار الانتساب للحزب ليس من اجل قضية، بل من أجل منصب. والتطور هو بتطور أساليب العمل ووسائل الاتصال، حيث كان يقتصر على البيان والمجلة واللجان الشعبية والاحياء. الآن صارت الاحزاب بفضل الإنترنت والتطور التقنيّ تلعب دوراً مهماً في الوصول الى الناس.

كيف كنتم تجمعون التبرعات، وتوزعون المنشورات، وتؤمنون المصاريف، وكيف تشبثتم بالقضية رغم عدم وجود بدل مالي؟ كان نشاطنا تطوّعياً، لأننا كنا مقتنعين بالفكرة، الان كل شخص ينتمي الى حزب فلأجل مصالحه، والان يدخلون الى حركة امل وحزب الله مثلا لأجل الموقع. وسرايا المقاومة مجموعة اشخاص لا علاقة لهم بالمقاومة، وكذلك جماعة سمير جعجع والعماد ميشال عون والنائب بهية الحريري والمستقبل والكتائب.. هل يدخل اللبناني اليوم الى الاحزاب من أجل التغيير والاصلاح؟

ألم تكونوا تضعون صورا للشهداء على الحيطان واليافطات وتكتبون الشعارات، من أين كنتم تحصلون على المصاريف؟ المصاريف كانت من جيبنا الخاص، وكان كل عملنا تطوعيّا، اما المنشورات فمن الإشتراكات الشهرية، وكان دفع الإشتراك إلزاميا كشرط للعضوية.

لكن الذي يتم تداوله هو ان الحزبي حاليا يقبض، في حين كان في السابق رافضاً للمال؟ في الماضي كان هناك قضية، الان لا قضية وكان دخول الحزب عن قناعة.. اليوم حزب الانتماء لرئيسه أحمد الأسعد مثلا يدفع 100 ألف ليرة لكل من يجلب عضواً منتسباً. وجماعة حركة امل يدخلونها لاجل المناصب، وحزب الله لاجل الحماية الأمنية. اما ما يُحكى عن تجاوزات الامن الفلسطيني سابقا فهذا لا علاقة له بالعمل الحزبي.

اليوم كيف تنظر الى تجربتك الحزبية سواء سلبا أم ايجابا؟ انظر اليوم نظرة ايجابية الى تجربتي الحزبية، أولا لاني تعلمّت منها الانضباط في حياتي المهنية والحزبية وامتلكت منهجيّة تفكير حول كيفية النظر الى الحياة اليومية، وأهم فترة بالنسبة لي كانت فترة الاحتلال حيث انغمست خلالها بادوار مختلفة وخصوصا في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي. وتقييمي يرتبط باللحظة السياسية، واعترف أن خيارنا السياسي كان خاطئا ولكن لم أندم على ما فعلت. أنا أندم على تفجيرنا للحرب لاني كنت اعتقد انه عبرالحرب يمكن تحقيق العدالة، ولكن لا ينفع الندم، انا اتطلّع الى الامام.

هل يمكن ان تكرر التجربة؟ لا انتمي حاليا الى اي حزب، ولن انتمي لانه لم يقنعني اي حزب، والحزب هو وسيلة. ولكن انا لديّ قضية وهي دولة القانون حيث حقوق المُواطنة فيها مؤمّنة. واعتبر ان الوسيلة الوحيدة للوصول الى هذه الغاية غير متوفرة. لذا توجهت الى المجتمع المدني.

وما هو رأيك بالمنظمة اليوم؟ انظر باحترام الى منظمة العمل الشيوعي برغم كل الكلام الذي يُحكى حول دورها بالحرب الأهلية. ولكن التنظيم لا يمكن الا ان يوصف بالتنظيم النزيه سياسيا الذي نفذ قناعاته. ومن قناعاتي الثابتة ايضا انه لا ديموقراطية داخل الاحزاب.

هل تتمنى لأولادك أن يسيروا في هذا الطريق؟ لا اتدخل في خيارات أولادي السياسية، والدليل أن أحد ابنائي اتخذ خياراً يتناقض مع خياراتي. ويفتخر ابني ويقول “ان السبب الاساس في ذلك هو ديموقراطية والدي”. “ودائماً ثمة نقاشات حول خياراته، واضطر دائما ان اسكت امام ثورويته واضحك لانه يذكرني بنفسي”.

السابق
مجدلاني: نحن دائما منفتحون لأي مبادرة ممكن أن تجد حلا
التالي
إعلان بعبدا لم يتضمن أي نص يتعلق بالمقاومة وسلاحها