مصر تحت المجهر

ما حصل في مصر بداية من 30 يونيو يستحق أن نضع له المجاهر الفاحصة والكاشفة لنرى ونستشرف المستقبل لما حدث ضد الرئيس المدني والمنتخب الشعبي مرسي، والبيان الصادر في 1 يوليو والذي أمهل القوى السياسية 48 ساعة للاتفاق على مخرج للأزمة الراهنة والمفتعلة من قبل رجال الدولة العميقة الحقيقيين والداعمين لهذه التظاهرات وللضغط على الرئيس الشرعي مرسي داخليا عبر الحشد في الشارع وعن طريق الإعلام، وخارجيا عبر الضغط عليه ليسلم السلطة ففاجأهم بثباته وصموده على موقفة الرافض لكل مطالب الجنرالات، وبعد ذلك بأيام تم الانقلاب على مرسي وعزله من منصبه واعتقاله ومحاكمته وإلى الآن لم يجدوا له تهمه، بحثوا في أرصدته فكانت المفاجأة أنه لم يستلم راتبه طوال فترة حكمه، وأن في رصيده دون 3 الاف جنيه مصري. فمن الصعوبة بمكان أن يكون هناك رئيس عربي يعيش مثل الناس ويأكل كما يأكلون ويتألم لآلامهم ويشعر بمشاعرهم… ففي العالم العربي والإسلامي هذا أمر مرفوض لأنه سيفتح الباب أمام مطالب الشعوب العربية ويكون لديها نموذج من الحكم الرشيد، فبعض الأنظمة العربية لا تريد مرسي. فتآمرت عليه.
والآن بعد مرور أكثر من شهرين على الانقلاب في مصر على الرئيس المنتخب والشرعي لم تعد القضية محلية ولاعربية ولا اسلامية، ولكنها أصبحت قضية عالمية، وهناك اهتمام دولي كبير بها، ولأن ما حدث يمثل ردة على الحرية والأفكار الديموقراطية والتعددية السياسية وعودة إلى الوراء ولسنوات القتل والمعتقلات، وهو في الحقيقة يمثل أبشع صورة من صور الانقلابات العسكرية في التاريخ المعاصر بسبب الدموية والهمجية المفرطة التي استخدمت ضد المعتصمين العزل، وهناك آثار في غاية السوء بسبب هذا الانقلاب على الرئيس المنتخب المدني سياسيا واقتصاديا وحقوقيا.
ففي الجانب السياسي، هناك خسائر سياسية فادحة وكبيرة أصابت مصر، فقد فقدت مكانتها الكبيرة وانحسار دورها الإقليمي بسبب الانشغال الداخلي ومحاولة ترويض وتركيع الشعب من جديد، يساعدها في ذلك إعلام مزيف يحاول قلب الحقائق، وهي محاولة لعودة عقارب الساعة للوراء، وهذا لن يحدث لأن الحرية لدى الناس أصبحت أغلى من كل شيء حتى من الدماء، وتبين الأحداث السياسية اليومية ومن خلال التعيينات التي تتم بأن هناك محاولات حثيثة لإنتاج نظام «مبارك» من جديد.
أما من الجانب الاقتصادي، وهو الأهم والأبرز كونه يتعلق بحياة المواطنين اليومية فهو أكثر وضوحا، خصوصا بعد تقليص العلاوات الإجتماعية السنوية للعاملين، وتخفيض التصنيف الائتماني للدولة بسبب تردي الأوضاع، إلغاء مشروع قناة السويس الحيوي، وعدم الاعتراف الدولي بالانقلاب أدى إلى توقف مباحثات صندوق النقد الدولي، وكما نعلم بأن رأس المال جبان فإن هناك العديد من المصانع تم إغلاقها إضافة إلى عزوف المستثمرين على ضخ أموال بسبب عدم الاستقرار، وإلغاء شركات السياحة العالمية للحجوزات الخاصة بالسائحين.
أما من الجانب الحقوقي فالسجون تشهد بذلك، خصوصا مع وجود آلاف المساجين من الإخوان وأنصارهم في جو من تكميم الأفواه، وإغلاق جميع القنوات التي تعارض الانقلاب العسكري، ومن يتصدى للانقلاب فسيلقى نفس المصير، وأغلب الرموز السياسية المناهضة للانقلاب معتقله اليوم بسبب موقفها المبدئي، وقتل الآلاف في مذبحة الحرس الجمهوري والمنصة ورابعة العدوية والنهضة، مقتل العشرات في السجون والتمثيل بجثثهم، استخدام الرصاص الحي في القتل، اعتقال النسا، مداهمة المنازل، حرق الجثث بطريقة بشعة، عدم اصدار تصاريح لدفن الشهداء وعدم كتابة السبب الحقيقي في شهادة الوفاة.
وكل الأحداث التي تحدث اليوم تبين بأن الانقلابيين في ورطة كبيرة، وأن الدعم الخارجي لن يطول، والقضية ستأخذ أبعادا دولية جديدة مع تحرك تركيا لذلك، وسيفشل الانقلاب، وسيواصل الشعب المصري كفاحه من أجل الحرية وبالطرق السلمية.

السابق
العرب مسرح إيراني للحرب المذهبية
التالي
طرد الخميني والخامنئي من شوارع العراق