الضربة تصيب لبنان أولاً

يجتاح القلق أرجاء المعمورة بعدما نشرت الإدارة الأميركية أجواء الحرب على سوريا، ولكنه لا يهز شعرة في رؤوس أهل الطبقة السياسية في لبنان ولا يدفعهم إلى التنبه إلى المخاطر التي تتهدد «رعاياهم» في أمنهم ورزقهم واطمئنانهم إلى غدهم.

يتصاعد الخوف إلى الذروة في مختلف أقطار المشرق العربي في ظل التهديدات الأميركية المعززة بصور حاملات الطائرات والمدمرات (شقيقات نيوجرسي الشهيرة) والصواريخ ذات الطاقة التدميرية الهائلة، والتي تقدم باعتبارها أداة «تأديب» سوريا، بدولتها وشعبها (ومن ضمنه المعارضة)… وتتولى دول النفط العربي الترويج لهذه الحرب التي تفضل ان تسميها ـ تحبباً! ـ «الضربة»، بذريعة «مجزرة الكيماوي» في بعض نواحي غوطة دمشق.

تعصف الخلافات بالتوافق في قمة العشرين فتشقها، ويغيب الود بل حتى التفاهم عن لقاء أوباما ـ بوتين ليسود التوتر.

… أما أهل الطبقة السياسية في لبنان فيواصلون حياتهم كالمعتاد…

يصدعون لأمر صاحب الأمر بندر بن سلطان، فيتعذر تشكيل الحكومة العتيدة، ويفرض تمدد الشلل على الإدارة العامة ومؤسسات الحكم،

ويبادر السفير الأميركي الجديد فور وصوله، ومع تقديم أوراق اعتماده، إلى إطلاق «النصيحة» من سرايا الحكم، محدداً من يجوز له ومن يمنع عليه الدخول إلى جنة الحكومة العتيدة المتعسرة ولادتها منذ خمسة شهور أو يزيد!

الدولة مغيبة بالأمر، والإدارة مشلولة بالعجز، وكبار المسؤولين في أسفار سياحية، بعضهم على متن «البوت» الخاص، وبعضهم الآخر على «بوت» بعض الأصدقاء في بلاد المتعة.

مخاطر الحرب تزعزع أمن المنطقة جميعاً، وتتهددها في مستقبلها الغائم في قلب مشاريع الفتنة، طائفية ومذهبية، وتفرض حالة طوارئ، عسكرية وأمنية، اقتصادية واجتماعية، واستنفاراً وطنياً يوحد البلاد ضد المخاطر، بكل الكوارث التي يمكن ان تتسبب فيها للبلد الشقيق، بدولته وشعبه الذي كان على الدوام أخاً شقيقاً يهبّ لنجدة اللبنانيين كلما عصفت بهم حرب إسرائيلية أو ضربت وحدتهم حرب أهلية…

لكن أهل الطبقة السياسية، بمن فيهم أصحاب الدولة، رئاسات وحكومة، وزراء ونواباً ونافذين بالذهب والاحتكارات والعلاقات مع أهل النفط، يتابعون حياتهم كالمعتاد، وكأن خطر الحرب يتهدد بلاداً في قارة أخرى؟!

كيف تكون إساءة الأمانة وخيانة حقوق الناس والاستهتار بمصلحة الوطن وشعبه غير ما نعيشه الآن؟!

نعرف ان الكتابة ومعها الخطابة والمؤتمرات والتظاهرات وسائر وسائل التعبير الديموقراطي لن تهز رمشاً في جفون أهل الطبقة السياسية المشغول معظمهم الآن بالتفكير في احتمالات استثمار الحرب الأميركية على سوريا، والمعروفة مصادر تمويلها في الجزيرة والخليج.

مع ذلك فمن الضروري رفع الصوت بالقول إن هذا الوطن الصغير لا يمكنه ان يتحمل هذا التخلي الفاضح عن المسؤولية، بالأمر الأميركي الصريح وإن بكلفة سعودية، وهذا الشلل المهين الذي يجعلنا بلا دولة في لحظة تتهددها مخاطر مصيرية وتلامس بالنار وحدة شعبها المتروك للريح.

للمناسبة: في سوريا المحترقة بنار الحرب الأهلية منذ سنتين ونصف السنة ما زالت الإدارات والمؤسسات العامة تعمل، في العاصمة والمناطق الآمنة، فتسيِّر مصالح الناس حيث لا تسيطر الميليشيات الآتية للتبشير في مهد الأديان، وآخر الأمثلة معلولا، مدينة الصلاة بلغة السيد المسيح والكنائس ذات التاريخ السابق على استنبات جماعات القتل بالتعصب المسلح تحت الشعار الإسلامي.

أما في لبنان الذي تستولد الطبقة السياسية فيه أنماطاً من الحروب الأهلية عبر انحيازاتها إلى مصالحها على حساب الشعب، كما عبر ولائها للدول المذهبة وخضوعها «لرغبات» الإدارة الأميركية قبل أوامرها، فإن «الدولة» هي الأضعف بين «كيانات» أهل الطبقة السياسية الذين يهدمونها باسم حصص الطوائف والمذاهب.

حتى الحرب تتحول إلى استثمار عند هذه الطبقة السياسية التي لا تتورع عن الاتجار بدماء «رعاياها».

وبالتأكيد فإن بعض القياديين والنافذين من هؤلاء، ممن حسموا مواقفهم منذ حروبهم الأهلية العديدة، يندفعون الآن إلى حد الاستعداد للتطوع في الحملة الأميركية على سوريا، لو ان الحرب برية، أما وأنها جوية فإنهم يندفعون في دور الدعاة والمروجين والمبررين لهذه «الحرب» التي ينادونها باسم الدلع «الضربة»، وكأن سوريا ليست البلد الشقيق والجار والذي طالما قاسمنا أهله ـ أهلنا رغيف الخبز.

وبالتأكيد أيضاً فإن بعض الطبقة السياسية قد أزعجه سماع وزير الخارجية الأميركية يقول بالأمس، وبعد اللقاء مع بعض جامعة الدول العربية، إن «الحل يجب أن يكون سياسياً… وإنه لا بد من العودة إلى مجلس الأمن،

نعرف ان هذا الكلام سيظل بلا صدى… بل لعل أهل الطبقة السياسية سيتندرون به، وربما أفاد من بعضه لتزكية نفسه وتحسين دخله من خلال الادّعاء انه المقصود، لدى هذه أو تلك من سفارات دول الحرب على سوريا.

إن الصمت في هذه اللحظة تفريط بمصلحة الوطن، وبقاء البلاد بلا حكومة جامعة تجسد الوحدة الوطنية، يشكل خطراً على الكيان ودولته، فضلاً عن مخاطره على أمن «الرعايا» ومصادر رزقهم.

فهل ما زالت هذه الطبقة السياسية قادرة على أداء هذه المهمة التي تشتد الحاجة إليها حتى يكون لبنان بين ضحايا الحرب الأميركية على سوريا، أو «الضربة» كما يطلق عليها المنتفعون بها من كارهي الأوطان وشعوبها الفقيرة؟!

السابق
كيف يفكر الأسد الآن؟
التالي
كنائس لبنان مسؤولة عن مسيحيّيه!