لماذا أخفقت الجهود المكثّفة الأخيرة لسليمان وسلام وجنبلاط لتأليف الحكومة

يدرك المتابعون عن كثب لمسار استيلاد الحكومة الجديدة، أن الرئيس المكلف تمام سلام ضرب أمس الرقم القياس في مهمة الرئيس المكلف على نحو فاق كل أسلافه في مرحلة ما بعد تشرين الثاني 2005، أي الرؤساء فؤاد السنيورة وسعد الحريري ونجيب ميقاتي.

إذاً صارت تجربة الرجل علامة فارقة في تاريخ تشكيل الحكومات في لبنان، ومن البديهي أن سليل البيت السلامي لم يكن يرغب إطلاقا في أن يحتل هذا “المقام”، لأن آماله التي كبرت جداً في الايام الأولى من تكليفه، بأن يكون الأسرع من كل أسلافه في إنجازه وترويج التشكيلة الحكومية قد طوقتها وقائع أكبر منه، أو بالمعنى الأدق معطيات ووقائع جوهرها أنه ثمة قواعد ومعايير جديدة تتحكم في ولادة الحكومة أي حكومة، تختلف عن كل سابقاتها، حتى وإن كانت سوريا في وضع الاحتراق، وخصومها الإقليمون ينتظرون ساعة سقوط النظام كي يرفعوا رايات النصر الخفاقة.
ووفق مصادر دوائر القرار في قوى 8 آذار أن الاستنتاج السابق كان بالأصل راسخاً لدى أركان هذا الفريق، ولم يكونوا في حاجة إلى خمسة أشهر وبضعة أيام ليتيقنوا منها، كما اقتنع الآن ربما الفريق الآخر الشريك، بعملية التشكيلة الحكومية بشقيه، أي 14 آذار والفريق الذي اختار أن يسمي نفسه وسطياً.
بعدما خرج الرئيس المكلف أول من أمس من لقائه مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وأدلى بتصريحه الشهير، سئل أحد رموز “حزب الله” رأيه في ما قاله سلام، فأجاب “بأن الرجل قد نعى آخر محاولة بذلها مع شركائه لانضاج صيغة حكومية يمكن أن تبصر النور، وهو يوشك أن ينعى بمرارة كل تجربته منذ تكليفه حتى الآن”.
إنه، إذاً سقوط مريع لحزمة جهود مكثفة بذلها الثلاثي الذي يعتبر نفسه مولجاً باستيلاد الحكومة، والذي يهمه لحسابات معينة أن يكون في لبنان حكومة جديدة في أقرب وقت ممكن، وهو الثلاثي الذي يضم الرئيس سليمان والرئيس المكلف ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.
فدوائر فريق 8 آذار تابعت عن كثب في الأيام العشرة الأخيرة الجهود الحثيثة التي بذلها هذا الثلاثي بغية تحقيق الإنجاز الذي وعدوا به العديدين، قبل أن يأتي حين الضربة الغربية الى لسوريا، أو حتى قبل أن يصوت الكونغرس الأميركي على التفويض للرئيس الأميركي باراك اوباما في الشروع في انفاذ قدر الضربة لسوريا ونظامها. فهذه الدوائر رصدت حركة لسليمان وهو “يزف” إلى من يعنيهم الأمر بشرى أن “تيار المستقبل” رفع سيف الفيتو الذي وضعه بداية على تمثل “حزب الله” في الحكومة العتيدة، معتبراً ذلك ضمناً إنجازاً سيقرب المسافات نحو استيلاد الحكومة، أو أنه على الأقل سيجعل الحزب في وضع المتجاوب سريعاً مع كل شروط ما بعد قبول الآخرين بـ”هبة” تمثيله في الحكومة الموعودة. ليس من عادة الحزب أن يسارع إلى التعليق على أمر كهذا سلباً او إيجاباً، الأكيد أن دوائره المعنية مباشرة بالموضوع لم تكن “سعيدة” بهذه “المنحة”، واستطراداً بهذا السلوك حيال موضوع بأهمية تأليف حكومة في ظروف يفترض أنها استثنائية تتطلب حكومة وحدة وطنية أو على الأقل حكومة يتمثل فيها الجميع. فالمهم، وفق الدوائر عينها، ليس أن “تيار المستقبل” أو سواه قد سمح بتمثيل الحزب أو سواه من القوى، بل هو هل بمقدور أي فريق أو جهة أو شخصية أن تعلن ولادة حكومة تخلو من تمثيل الحزب أو أي من مكونات التحالف السياسي الذي يجمعه معه.
الامر بالنسبة الى هذه الدوائر ليس تحدياً لسليمان أو لسواه بمقدار ما هو وضع للامور في نصابها الطبيعي وعدم “بيع الناس من كيسها”، لأن في ذلك استعجالا واستخفافا بالوقائع والعقول.
وفي كل الاحوال فإن الدوائر عينها تدرك دقة وضع الرئيس سليمان وحاجته الملحة الى استيلاد حكومة أو تحقيق انجاز كبير بحجم هذه المسألة، وهو في الأشهر التسعة الاخيرة من ولايته، حيث هو “يناضل” بكل ما أوتي من قوة لكي لا يغادر قصر بعبدا في ظل فراغ حكومي، أو يريد أن تكون عملية التأليف جسر عبور الى طموحات وآمال معينة.
أما بالنسبة الى الرئيس المكلف، فإن الدوائر نفسها تعي مدى الجهود التي بذلها مع الفريق الذي أتى به لتسهيل مهمته، ان “ولانهاء مسألة الرئيس المكلف وحمل لقب دولة الرئيس، وهو يدرك تماماً انه سيفقد مع مرور الوقت ألق تكليفه من 124 نائباً، وربما فقد فرصته التي لن تتكرر بالضرورة للعبور الى المنصب الذي شغله والده لأكثر من عقد من الزمن، لأنه يعي أن الظروف وضعته على لائحة نادي رؤساء الحكومات في لبنان قد لا تدق الباب مرة ثانية.
أما النائب جنبلاط، فإن دوائر القرار في “حزب الله” وفي 8 آذار، على بينة تماماً بالجهود الكبرى التي بذلها مع القيادة السعودية، ومع قيادة “تيار المستقبل” بغية تذليل العقبات أو على الاقل تحسين الشروط التي تثني فريق 8 آذار عن موقفه وشروطه لتأليف الحكومة، وهي على بينة من ايفاده الوزير وائل أبو فاعور الى نيس ومنها الى الرياض لانجاز هذا الامر، كانت الاجابات التي تلقاها ومن قابله في العاصمة السعودية. وفي المقابل، تدرك الدوائر عينها ان جنبلاط يتعامل بدقة، بل بميزان الذهب مع هذا الموضوع الذي تصدى له منذ استقالة الرئيس نجيب ميقاتي، وكيف يمزج الحسابات المتناقضة والرغبات الموزعة هنا وهناك لكي لا يفقد اللقب الذي اطلقه عليه البعض واستهواه، وهو “بيضة القبان”، وذلك ادراكاً منه ان “المعادلات” والتوازنات التي وفرت له هذا الدور ربما لن تتكرر سواء ضربت سوريا او لم تضرب، واستطراداً سواء سقط نظام الرئيس بشار الاسد او بقي صامداً.
ولا ريب ان الدوائر عينها تخرج من هذه القراءات باستنتاج أكيد هو ان هذا الثلاثي حققه حصل في الجولة الاخيرة من جهوده لتحقيق الهدف المشترك، وهو تأليف الحكومة على بعض الحوافز والتسهيلات، ولكن المشكلة انهم لا يمتلك الجرأة الكافية التي تجعل يندفع في اتجاه قفزة قد تكون في المجهول، وهي اعلان صيغة حكومة الامر الواقع، مقرونة هذه المرة ببعض المحسنات.
ولا ريب ان الرئيس سليمان هو أكثر المتضررين والمستائين من العجز عن الوفاء بحكومة يحملها كإنجاز الى حيث سيسافر قريباً.

السابق
انتشار إسرائيلي خلف بوابة العباسية
التالي
أقفلوا الحواسيب وارموا هواتفكم النقالة