في أي حال يتدخل حلف الـناتو في سورية؟

هناك ثلاثة أسئلة لا بد أن يجيب عليها العالم الغربي في نهاية هذا الاسبوع. أولا: هل يمكن استخدام القوة من دون موافقة مجلس الأمن الدولي لردع سورية عن ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الإنسانية?

ثانيا: كيف يمكن إثبات جريمة القتل الجماعي لأكثر من ألف مدني بواسطة الغاز السام ضد نظام الأسد من دون أي شك معقول?
ثالثا: ما العقاب الذي يمكن لحلف شمال الأطلسي وجامعة الدول العربية فرضه على الحكومة, إذا كانت مذنبة, لردعها عن استخدام الأسلحة الكيماوية من دون التسبب بسقوط المزيد من الضحايا أو ترجيح كفة الحرب الأهلية في سورية لصالح المعارضة?
السؤال الأول تسهل الإجابة عنه. فلطالما كان هناك حق في التدخل لوقف أو ردع جرائم ترتكب ضد الإنسانية. وقد أكد هذا من قبل أوليفر كرومويل منذ العام 1655 عندما هدد بغزو سافوي إذا لم يكف دوقها عن قتل البروتستانت ممن رفضوا اعتناق الكاثوليكية. ومارست بريطانيا حقها في التدخل الإنساني عندما أوقفت تجارة الرقيق من خلال اعتراض السفن الأجنبية ومهاجمة موانئ أجنبية وقادت تحالفا للراغبين بإنهاء الفظائع العثمانية (وحررت اليونان ) العام .1827
كما قال تيودور روزفلت في خطاب عن حالة الاتحاد ألقاه في العام ,1904 إن هناك مناسبات تفرض فيها “شفقة العالم المتحضر وسخطه” واجب التدخل “ضد جرائم رعب غريبة “.
حدث كل هذا قبل ميثاق الأمم المتحدة بفترة طويلة, ولم يؤثر في حق الدول الأعضاء بوقف الجريمة الدولية. وقد انتهى القتل الجماعي على يد الديكتاتور العسكري عيدي أمين في أوغندا عن طريق غزو غير مصرح به من مجلس الأمن, وكذلك الأمر بالنسبة الى الإبادة الجماعية والاغتصاب الجماعي في بنغلاديش. وأمن حلف “الناتو” (منظمة حلف شمال الأطلسي) ملاذات آمنة لحماية الأكراد في تحد واضح لسيادة الرئيس العراقي صدام حسين, من دون أن يكلف نفسه عناء تحمل “الفيتو” الروسي والصيني في مجلس الأمن .
كوسوفو أيضا هي خير مثال على عمل مشروع لحلف شمال الاطلسي جاء لوقف جريمة ضد الإنسانية – أي التطهير العرقي على يد سلوبودان ميلوسيفيتش. ومرة أخرى, تم الاستغناء عن “الفيتو” الروسي في مجلس الأمن, وبدأ حلف شمال الاطلسي القصف بكل بساطة, ما اضطر روسيا للانتقال إلى مرحلة التنديد, وفشلت فشلا ذريعا.
إذا تمكن حلف شمال الاطلسي وجامعة الدول العربية من إيجاد وسيلة لمعاقبة الأسد لا تنطوي على أضرار جانبية, يجب تجاوز هذا الامر وترك روسيا ترتد على أعقابها من دون قرار من مجلس الأمن لإدانة حلف شمال الاطلسي . القانون الدولي لا يمنع إجراءات وقف الجريمة الدولية. ولكن, جوابا على السؤال الثاني, يجب أن يكون هناك دليل لا يدع مجالا للشك في أن قوات الرئيس بشار الأسد هي المسؤولة عن هذه الجريمة . النائب العام البريطاني تحدث عن ” أدلة مقنعة مقبولة عموما من جانب المجتمع الدولي”, ولكن هذا ليس كافيا . مجلس الأمن نفسه هو محكمة ميؤوس منها لتحديد الذنب : كولن باول خدع المجلس ب¯ ” أدلة ” عن أسلحة صدام للدمار الشامل .
العالم أرهقته ” ملفات المراوغة “, و لم يعد يصدق  الاستخبارات العسكرية ووكالة الاستخبارات المركزية من دون تقديم الدليل . ما هو مطلوب قرار من لجنة قضاة دوليين مستقلين يشكلها الأمين العام للأمم المتحدة لاتخاذ قرار بشأن الحكومة السورية هل هي مذنبة أم لا.
مشكلة إثبات إدانة الأسد العويصة هي التي تسببت في رفض البرلمان البريطاني يوم الخميس الماضي أن يكون طرفا في أي استخدام للقوة في هذه المرحلة . وفيما أكدت المخابرات البريطانية أن ذنب الأسد مرجح للغاية ولكن لم يثبت دون شك معقول . إن الدليل القاطع قد يأتي في تقرير مفتشي الامم المتحدة للأسلحة في غضون أسابيع ما اذا كان بامكانهم تتبع مصدر المواد الكيماوية ونظام قذفها عسكريا المتاح فقط لدى القوات الحكومية. ومادام لا يتم استخدام الأسلحة الكيماوية بشكل متواصل, لماذا لا ننتظر?
القانون الدولي يقتضي أن أي تدخل لوقف جرائم ضد الإنسانية يجب أن يقتصر بشكل صارم و ” متناسب ” على هذا الهدف وعلى كل ما يناسب هذا الهدف ويتصل بتحقيقه منطقيا, وليس الترويج لتغيير النظام أو التسبب في وفاة المزيد من المدنيين.
هذه حالة سهلة, كاقتراح قانوني, ولكن ضمن الظروف اللوجستية قد يكون من المستحيل تحقيق ذلك, (حتى محاولة تدمير أسلحة كيماوية قد تكون كارثية, إذا انطلقت الغازات السامة في الجو ) كم من القواعد العسكرية ينبغي أن تتعرض للهجوم? هل سينفق “الناتو” مليار دولار على معدات عسكرية ليهدد الأسد, وإذا تم استخدام الأسلحة الكيماوية مرة أخرى, هل ينفق 25 ملياراً? إن أمورا كهذه غير قابلة للقياس والموازنة لا يمكن للقانون الدولي أن يحلها.
من القواعد الأساسية للإنسانية المتحضرة حالياً فرض حظر على استخدام الغازات السامة ضد المدنيين – وهذا الحظر خرق بوحشية على يد صدام حسين في العام 1988 عندما قتل بالغاز 7000 كردي في حلبجة, إلا أنه كوفئ في العام التالي لتلك المجزرة ببعثة تجارية أميركية بقيادة دونالد رامسفيلد.
إذا كنا جادين في منع جرائم الحرب المروعة تلك, يجب تنفيذ الحظر. وهذا الأمر من واجب مجلس الأمن, بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة . ولكن المجلس أصبح في وضع حرج لأن روسيا تستخدم بشكل غير مسؤول وبصفتها “قوة عظمى” حق “الفيتو” لحماية استثماراتها في حكم الأسد العسكري . وبالتالي فان المسؤولية عن حماية المدنيين في سورية من الوقوع ضحايا لجرائم دولتهم تؤول إلى المنظمات الإقليمية مثل منظمة حلف شمال الأطلسي وجامعة الدول العربية.
إن الأسد وجنرالاته مجرمو حرب, وقد كان هذا واضحا منذ أن أطلق النار على أول ألف متظاهر سلمي حتى قبل بدء الحرب الأهلية. والمتظاهرون الشجعان رفعوا بعد ذلك لافتات كتب عليها “الأسد إلى لاهاي” للمطالبة بمحاكمة الأسد في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. لكن مجلس الأمن أدار لهم ظهره, ولا أحد من أعضائه تكبد عناء الإشارة إلى أن الوضع في سورية ينبغي أن يحال إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية .
بعد مرور سنتين, بلغ ضحايا الحرب الأهلية أكثر من مئة الف ضحية وليس لهذه الحرب نهاية في الأفق . وقد فشلت جميع الجهود الديبلوماسية وجهود مفاوضي الامم المتحدة من كوفي عنان الى الأخضر الإبراهيمي في وقفها.
إن ضربات حلف شمال الاطلسي لمعاقبة الأسد على استعمال الأسلحة الكيماوية سوف لن تنهي هذه الحرب, وربما يكون لها عواقب غير متوقعة. لكن على الأقل, مثل هذا الإجراء سوف يشكل سابقة كان يجب أن تحصل في حلبجة, ولا شك أنها توفر أساسا لردع الطغاة ليس فقط عن استخدام الأسلحة الكيماوية, بل عن تخزينها وتكديسها في المقام الأول.
السابق
حول ضربة خالية من عنصر المفاجأة
التالي
أين قاسم سليماني قائد فيلق القدس؟