حول ضربة خالية من عنصر المفاجأة

من المفارقات الغريبة التي قد يسجلها التاريخ حول الضربة المتوقعة لسورية, جملةُ الأحداث التي رافقت مرحلة ما قبل الضربة, والتي تتمثل بالكم والكثافة من الكلام المسبَق حولها. من هذه الناحية, لا شك في أن الضربة المتوقعة تختلف عن سابقاتها من الحروب التي خاضها المجتمع الدولي, سيما الأخيرة منها, أي العراقية, من أجل إسقاط صدام حسين بعد أن تم التأكد من استعماله السلاح الكيماوي (وكان حينَها غاز الخردل) ضد الشعب الكردي في منطقة حلبجة, كما إبان غزو العراق. غالبية الحروب تبدأ عادة بشكل يلفه الغموض, لكي تتم الاستفادة من عنصر المفاجأة بخصوص الأهداف المرصودة للضرب, وكذلك أيضاً بالنسبة إلى تواريخ البدء فيها. المفارقة تكمن أيضاً في تحول الضربة لسورية إلى موضوع نقاش تتناوله وسائل الإعلام العالمية من مختلف الجوانب, من ناحية التوقيت التقريبي للبدء, ناهيك عن الأهداف والدول التي سوف تساند العمليات الهجومية.
 الغريب في هذه الضربة إذاً هو كل هذه “القرقعة” الإعلامية حولها قبل حدوثها تحديداً, فنحن نعلم مدى أهمية عنصرَي السرية والكتمان اللذين يرافقان مراحل ما قبل الحروب الكلاسيكية أو التقليدية, أو ما يسمى في لغة الحرب “عنصر مفاجأة العدو”, الذي يكون غالباً العنصر الحاسم في نتائج المعركة, أما بالنسبة الى الضربة الأممية لسورية, فقد بات الكل يعلم عدد البوارج الحربية التي تملأ المتوسط وتتهيأ للاشتراك فيها, وإلى أي بلاد تعود, وأن الكثير من البلدان المجاورة لسورية, وفي مقدمهم تركيا والأردن, لم تعد تخفي نيتها المشاركة في العمليات الحربية المقبلة… وغيرها من المعلومات الكثيرة التي أصبحت مادة في التداول الإعلامي اليومي. تستجلب هذه المعلومات طبعاً ردوداً, وفي مقدمها تلك الصادرة عن الموقفين الروسي المستنكر والسوري الهادر والمزمجر والمتوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور.
 ويبرز في هذا المجال تساؤل حول المتغيرات التي قد تكون طرأت على قواعد اللعبة في مسالة شن الحروب في القرن الواحد والعشرين? فهل بات تكاتف الدول, وخصوصاً الكبرى منها, وتعاضدها حول ردع الدول المارقة قوياً إلى حد استغنائها عن عنصر المفاجأة التقليدي? وهل أصبح عدم الاكتراث ل¯”زمجرة” النظم المارقة, على خلفية لزوم ما لم يعد يلزم, مسألة عادية? وهل بات في مقدم اهتمامات الدول العظمى, عند عزمها على شن ضربة تأديبية قاسية ومحقة كهذه, تأمين التأييد العالمي الشامل لها, حتى يكون الضربُ على أصابع مَن تجاسَرَ وكبس الزناد واستعمل أسلحة محرمة دولية بمثابة الدرس أو الأمثولة والعبرة لمن عليه أن يخاف ويعتبر?
     في كل الأحوال, لا بد من التسليم, بأن سياسة الرئيس الاميركي باراك أوباما الحالية والتي تثير هذا الكم من التساؤلات, تتسم بنوع من فرادة حملت الكثير من المراقبين على الاعتقاد, بأنه متردد وغير حازم في موقفه وغير نهائي في قراراته. في الواقع, ما زال الرئيس أوباما ينتظر قبل إعلانه ساعة الصفر موقفَ الأكثرية في الكونغرس, أو الإجماع المعنوي على حربه ضد النظام السوري المارق. وقد لا يكون تردده وهذه المماطلة سوى من باب الحاجة لكسب المزيد من الدعم الدولي أيضاً, فهو قال بالفم الملآن إنه قادر على المضي في برنامجه التأديبي للنظام السوري خارج إطار موافقة الكونغرس, ولكنه على ما يبدو يفضل نيل الأكثرية في بلاده أولاً, وربما التأييدَ الدولي في مجلس الأمن لاحقاً, وهو ما زال يسعى بالتعاون مع حلفائه في لندن وباريس, وحتى في روسيا, الى الدفع باتجاه كسب الشرعية الدولية تمهيداً لنيلها على صعيد مجلس الأمن.
     ولا بد من التذكير هنا بأن مجلس الأمن لم يوافق حتى الساعة على تسديد الضربة, ولكن الجهود ما زالت متواصلة للحصول منه على هذه الموافقة, يسانده في موقفه هذا رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كامرون في قوله: “سنواصل جهودنا لدفع القضية أمام الأمم المتحدة, وعلى الأعضاء الآخرين تحمُّل مسؤولياتهم بعد فشلهم في القيام بذلك لعامين ونصف العام”. كما تجدر الإشارة إلى حصول الرئيس أوباما على هذه الشرعية في العالم العربي, عبر الإجماع الذي ميز موقف وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في القاهرة للبحث في الضربة المنتظرة, وذلك على خلفية إدراكهم بأن استعمال الكيماوي في الداخل السوري, قد لا تقتصر خطورته على هذا الداخل, وأنه يمكن أن يطاول كل دول الجوار, مثل لبنان وتركيا والعراق والأردن, وخصوصا في حال تفش هذا السلاح المحرم بين ايدي الجماعات المتطرفة, مثل “حزب الله” وجبهات التكفيريين السنة, أضف إلى ذلك الارتياح في واشنطن للبيان الصادر من وزراء خارجية الشمال والبلطيق الداعي لمحاسبة المسؤولين عن استخدام السلاح الكيماوي, والذي يضم توقيع 8 وزراء خارجية اجتمعوا في ستوكهولم خلال الأسبوع المنصرم.
   نعم, الرئيس أوباما يجوب العالم من أجل كسب التأييد وليس من باب المماطلة والتردد, ولكي يتحاشى الوقوع في خطأ العراق, حيث أصبح الرئيس جورج بوش المتهمَ الأول بعد انتهائها للقيام بها خارج الإجماع الدولي, وليُظهر (أوباما) للعالم بأنه رئيس ديمقراطي حقاً وليس مهووساً بالحروب لعرض فائض القوة الأميركية. وفي هذا السياق أذكر ما لفتني في سؤال لمراسلة التلفزيون السويدي إلى الرئيس أوباما خلال مؤتمره الصحافي في ستوكهولم جاء فيه: حضرة الرئيس, نلت جائزة نوبل للسلام فكيف نراك تسعى الى الحرب? »فأجابها بما معناه«: ربما لست جديراً بجائزة تسعى الى السلام كيفما كانت الأحوال. لأني مع السلام العادل. فنحن نتعاطى مع أنظمة قاتلة ولا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي فقط بحجة الالتزام بالسلام. هذه الأنظمة خطرة إلى حد أن إرهابها قد يهدد شعوبنا في عقر الدار. نريد السلام المحق حتى ولو اضطرتنا الظروف القاهرة لخوض الحرب من أجل تحقيقه.
السابق
الله أكبر… على أميركا
التالي
في أي حال يتدخل حلف الـناتو في سورية؟