لا تراهنوا على توماهوك

وليد بك جنبلاط

زنار من النار والحديد يضرب المنطقة، مهدداً بإقحامها في أعماق الفوضى، هي أصلاً تتخبط فيها. العاصفة صارت على الأبواب، لا بل على الحدود اللبنانية، على بعد أمتار، فيما حالة الشلل تصيب المؤسسات الدستورية وتعطّل أي امكانية لمواجهة «غول» التداعيات التي ستتأتى عن الضربة الصاروخية على سوريا، فيما لو حصلت، سواء على المستوى السياسي المتصل بالانقسام العمودي و«رباط القربى» الذي «يحشر» القوى اللبنانية بالمحاور الإقليمية، أو على المستوى الإنساني وما قد تحمله أزمة النازحين، أو على المستوى الاقتصادي وما قد ينتج عن تدهور الأوضاع.
ولهذا كله، يفضّل وليد جنبلاط أن يترك «التنظير الجيوستراتيجي» لكثُر صاروا «خبراء» ويبرعون في امتهانه تحليلاً لما بعد الضربة، وقبلها وفي أثنائها، ليكتفي بالقول «إنّ الضربة ستزيد حالة الفوضى في سوريا». برأيه كان المطلوب منذ وقوع معركة باب عمرو توحيد المعارضة ومدّها بالسلاح. أما اليوم «فقد اجتاحت الشوارع السورية معارضات من كل حدب وصوب، مدججة بانتحاريين أو جهاديين، على حساب مصلحة الشعب السوري والمعارضة الوطنية».
ويستبعد أن يكون لبنان «شريكاً عسكرياً في المعركة السورية»، وتحديداً لجهة تدخّل «حزب الله» من بوابة الجنوب اللبناني، مشيراً إلى أنّ «الضاحية الجنوبية، ومن ورائها طهران، تعرف جيدا أنّ المواطن الجنوبي لا يتحمّل مزيداً من التشريد، وهي حريصة على أبناء الجنوب».
من هنا يدعو كل القوى اللبنانية، إلى عدم المراهنة على ما ستحمله صواريخ «التوماهوك» في حال طالت بنك الأهداف المحدد لها، «إذ لا يفترض بأي طرف أن يشعر بأنّه سينتصر على فريق آخر، وهي الخلاصة التي قدّمها الرئيس بري بشكل مغلّف خلال مبادرته الأخيرة، وهي الخروج من سوريا».
يقرّ أنّ كل هذه القوى تجري حساباتها وفق «جداول ضرب» الخارج، سواء مع مرشد الجمهورية أو البنتاغون. ومع ذلك لم ييأس من محاولاته المكوكية لضخّ الأوكسيجين في عروق مشاورات التأليف، علّها تنتج توافقاً، هو معبر إلزامي لقيام الحكومة «السلامية».
لا بل يتحدث جنبلاط في هذه الأيام عن تقدّم إيجابي في المشاورات العابرة للمقار، كما للحدود، يمكن توصيفه بـ«الإنجاز». إذ يمكن القول إنّ هناك توافقاً على شكل الحكومة، على أن تكون سياسية «تشبه واقع الأرض»، ذلك «لأنّ الحديث عن حكومة تكنوقراط لا يصحّ أبداً على التركيبة اللبنانية».
وإذ ينفي وجود قرار إقليمي بتعطيل قيام حكومة وإنما هي مجرد «رهانات بعيدة عن الواقع»، يشير إلى التسمية التي أطلقها رئيس الحكومة المكلف تمام سلام بـ«الحكومة الجامعة» على أساس التمثيل السياسي، «والتي صارت حاجة ملحة، لا سيما بعد إنذار الهيئات الاقتصادية التي تدلل على خطورة الوضع الاقتصادي، وما يمكن أن يصيب المالية العامة نتيجة الشلل المؤسساتي، فضلاً عن تبعات أزمة النازحين التي قد تزيد في حال تدهور الوضع في سوريا».
ويزيد رئيس «جبهة النضال الوطني» سبباً جوهرياً على الأسباب التي تحرّض على قيام الحكومة، يتصل بملف النفط، حيث يفترض برأيه السير بهذه المسألة، «لا سيما أنّ لبنان تأخر عن محيطه كثيراً في مواكبة عملية التنقيب عن الغاز وتلزيمه»، داعياً إلى «حلّ وسطي لتلزيم البلوكات، بمعنى أن لا يكون بالمفرق، ولا بالجملة، لا بل ضمن مجموعات».
ويعتبر جنبلاط أنّ الصيغة التي طرحها رئيس الحكومة المكلف في الجولة الأخيرة من المشاورات، أي الحكومة الجامعة، «ممتازة، لا سيما لجهة إجراء المداورة بين الحقائب»، نافياً أن يكون تقدم بصيغة 9-9-6، مؤكداً أنّه لم يدخل في متاهة المحاصصة أبداً، «والتي لا تزال عقدة صعبة في هيكل الحكومة، لا سيما أنّ مختلف الأطراف يربط موقفه بما سيحصل خلف الحدود».
إلا أنّه يلفت إلى تطور في موقف «تيار المستقبل» بعد رفعه «الفيتو» عن مبدأ مشاركة «حزب الله» في الحكومة، متحدثاً عن «تفاوت في الأراء بين الرئيس فؤاد السنيورة والخارج وبعض الداخل اللبناني، حول توزيع الحقائب، لا سيما الحقائب الإستراتيجية».
وهنا، يعيد وليد جنبلاط التذكير بما أقدم عليه نجيب ميقاتي حين كان رئيساً مكلفاً، بتمثيل منطقة إقليم الخروب في الحكومة، مثنياً على هذه الخطوة. «على أمل تكرارها مع سلفه».
أما بالنسبة للبيان الحكومي، فيحيل «البيك» هذه المهمة إلى اللغة العربية «الغنية في مصطلحاتها»، مشيراً إلى أن «بلاغة لغة الضاد ستساعد على إيجاد مخرج يرضي الجميع، طالما أنّ هؤلاء سيتحصنون بالواقعية».
وبعيداً عن تعقيدات الملف الحكومي، يشير جنبلاط إلى أنّ شبكة علاقاته في الداخل اللبناني جيدة، وتحديداً مع الرئيس سعد الحريري، وإن كان «ثمة تلاوين كثيرة على الأرض»، في حين أن «التواصل دائم» مع الرئيس بري، بينما «تحسّنت مع العماد ميشال عون بعد حصول الهفوة الكلامية من جانب الحزب التقدمي الاشتراكي حول المهجرين السوريين، وتبعتها هفوة ثانية من جانب الجنرال بنبشه الماضي. إلا أنّ اللقاء مع ممثله غسان عطا الله كانت ممتازة، وأبلغته اعتذاري، وتمنيت عليه أن يحصل التواصل بشكل مباشر».
وإذ يعتبر أنّه من الخطأ الوصول إلى الاستحقاق الرئاسي من دون حكومة، يكتفي بالتعليق عن بدء الحديث عن الترشيحات الرئاسية بالقول: «أخشى أن نندم على أيام الإنتداب الذي كان يجري مداورة بين الطوائف المسيحية في موقع الرئاسة، وقد نندم أيضاً على أيام المتصرفية حيث كان المتصرفون مسيحيين، ولكن من غير اللبنانيين!».
أما بالنسبة للزيارة الأخيرة التي قام بها موفده وائل أبو فاعور إلى السعودية، فيلفت إلى أنّها كانت زيارة اجتماعية حصلت بناء على طلب الأمير عبد العزيز بن عبد الله للتعارف وليس أكثر.

السابق
ماذا حصل ليلاً في عرمون
التالي
طردها من المنزل الزوجي فاعادتها جرأة القضاء