الاسد مقاوم وصدام حسين ايضاً

“في ضربة، ما في ضربة”. جملة على كل شفة ولسان. كل ما في النقاشات السياسية وما أكثرها. في المقاهي، حتى في الملاهي. شارع الحمرا نموذجاً.

على ناصية الطريق، مقهى. نهاية الأسبوع، تلتقي فيه مجموعة من الرفاق، يحللون يخططون، يرسمون لأيامهم الآتية، خريطة نضالية أو انتظارية. قبل أن يعودوا مطلع الأسبوع إلى حياتهم العادية. في هذا المقهى، مجموعة من اليساريين السابقين، يجتمعون مع آخرين ممن لا يزالون على اعتقادهم أن التطور التاريخي للشيوعية مستمر، وسينتج عدالة اجتماعية وما إلى هنالك من مجتمعات ثورة البروليتاريا.

يبدأ الحديث، مع أو ضد، هو الحديث نفسه المستمر منذ الحرب على العراق عام 2003، مع فارق أكثر من بسيط. شعار لا للحرب لا للديكتاتورية آنذاك، لم يعد قائماً اليوم إلا لدى القليل القليل، ممن هم في طور الاعتزال السياسي ـ النضالي.

النقاش حول الديكتاتور، يطول. واحد مع اقتلاع الطاغية. آخر ضد. وجهتا نظر حتى في قلب الصف الواحد. اليسار السابق بمعظمه يميل إلى “الاقتلاع”. بعضه مُتردد. بعضه القليل. الشيوعيون الحاليون، موقفهم قد يكون صعباً على الفهم. يقولون أن بشار الأسد أخطأ كثيراً، وهم ليسوا معه، قبل أن يعودوا سريعاً إلى عبارة: 100 بشار ولا مرة أبو صقار!. ينتفض علي (اسم مستعار) ليقول: لا يمكن اختصار الشعب السوري بهذه الظاهرة. ينظر إلى شيوعي متحمس يجلس إلى جانبه: هذه رمادية لم تعد مقبولة، اعترفوا بأنكم مع الأسد، أفضل بكثير من هذه المواربة المستمرة منذ زمن. كنتم مع صدام بالأمس، واليوم تعيدون التجربة نفسها.

هنا، ينتفض الشيوعيون. رياض (اسم مستعار) يبدأ من حيث انتهى عام 2003: نحن مع المقاومة، مع سوريا المقاومة التي تواجه أشرس الحملات من قوى الشر الرأسمالي. ليس لنا إلا المواجهة. رأينا ما حصل في العراق، ولن نكون مع تكرار هذا الأمر في سوريا. صحيح أن الرئيس الأسد أخطأ كثيراً، لكن هناك ما هو أكبر. يقاطعه علي بسؤال: أكبر من حرية الشعوب؟. يعود رياض سريعاً إلى أجندته عن تاريخ سوريا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. يصمت الجميع. ثم، يضحك علي كثيراً ومعه كل اليسار السابق. يخرج أحدهم ليذكرهم بمركز اجتماعات قديم كان في الشارع المقابل له، فندق فيه من بائعات الهوى الكثير. تتغيّر الأجواء. يبدأ جميعهم في استعادة الذكريات. لا مكان للنضال الآن. ينتهي النقاش.

على طاولة مجاورة، شاب عشريني. يتابع ويضحك، على ما يبدو غير معني بكل النقاش. بأي حال، تنتهي جلسة اليسار القديم والشيوعي. يبقى اثنان من اليسار السابق، يطلبان المزيد من القهوة، ويستمرّان في الحديث: في ضربة أو ما في ضربة. هما معها، هما كانا ضدها وضد صدام حسين عام 2003. الآن أصبحا واضحين في ما يريدان. يبتسمان قبل أن يغرقا في استعادة ذكريات نضالية ـ طريفة من العام 2003.

يعودان بالذاكرة إلى الحرب على العراق. كانا في صف “لا للحرب لا للديكتاتورية”. في اجتماع في نادي اللقاء (طلعة جنبلاط)، كانت جلسة حوارية بين اليساريين عن الموقف من الحرب. هناك أحد القياديين المتحمسين في الشيوعي، رفض مقولة لا للديكتاتورية، سألوه لماذا، لم يجب. يقولان إنه لا يريد الاعتراف أنه مع صدام حسين. انتهى الحوار إلى لا نتيجة، واستكملوا النقاش ـ الإشتباك في الخارج. يقول له أحدهم: أنت مع صدام. يرد عليه غاضباً: أنا مع الدولة والقانون! أنا مع سوريا والمقاومة!. ضحك الجميع، ما عداه.

حادثة أخرى يسترجعها الشابان. “في شباط عام 2003، ذهبنا إلى تظاهرة لا للحرب لا للديكتاتورية من الإدارة المركزية باتجاه ساحة الشهداء”. توازياً كان هناك من يدعو إلى تظاهرة من البربير إلى الإسكوا، من مجموعة شيوعية رفضت شعار لا للديكتاتورية. اتفقنا على تظاهرتين تسلكان خطين متوازيين لا يلتقيان. مجموعة البربير التي يقودها حسين (اسم مستعار)، اتفقت في ما بينها على الالتقاء مع التظاهرة الأخرى على السوديكو. الصدفة أن وزير المالية آنذاك فؤاد السنيورة الذي لم تعجبه شعارات تظاهرة البربير، قرر الانضمام إلى التظاهرة الأخرى. خرج حسين لينادي على الجميع كي يتوجهوا للاشتراك بالمسيرة الأخرى.

هنا، استشعر شبان “لا للحرب لا للديكتاتورية”، ما يحصل. لا يريدون الاشتراك مع التظاهرة الأخرى التي لا يلتقون مع شعاراتها إطلاقاً. يتجه أحدهم إلى حسين ليقول له: “كم مرّة بدنا نقلّك بلاهن هالحركات”. ثم يقوم متظاهرو ساحة الشهداء بإقفال الطريق بسلسلة بشرية منعاً لالتقاء التظاهرتين. يمسك أحدهم بمكبر الصوت ليقول: من هو مع حرية الشعوب مرحب به هنا، من هو مع الديكتاتور فليبقَ هناك.

ذكريات أخرى لدى اليساريين. تلتقي جميعها على فرقة اليسار آنذاك. الإثنان في نقدهما للتجربة الماضية، يعترفان أن اليسار لم يعد قادراً على اللحاق بما يحصل من أحداث.

واقع حال اليوم، لدى اليسار، ليس كما كان في العام 2003. الأمور أصبحت أوضح. الإنقسام ازداد منذ ما قبل الربيع العربي، ويستمرّ. انقسام سبقه نقد ذاتي لكل التجارب السابقة. بعضهم خرج من “اللوثة” يقول علي، وبعضهم الآخر لن يستطيع الخروج: صدام حسين مقاوم. بشار الأسد مقاوم أيضاً.

السابق
أوباما ينزع صورة الرئيس المتردد
التالي
مصادر وزارية: ما قاله منقارة غير صحيح وكاذب