الحزبية الغائبة 4: عن المال والمذهبية والخيبات

الحزب الشيوعي
الدكتور شفيق شعيب عمل طيلة 35 سنة كعضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني، حيث شغل مواقع قيادية عديدة. عن حياته السياسية ونظرته للعمل الحزبي اليوم بين الماضي والحاضر.

في حمأة الصراع السياسي في لبنان تغيب اﻻحزاب عن المشهد ويحل محلها اسم الزعيم أو الطائفة . من جهة يتحول الصراع الى نزاع على مغانم طائفية باستقواء كل طائفة بجهة خارجية، وتغيب المساءلة الشعبية التي تمثلها اﻻحزاب . ومن جهة ثانية ، تتحول هذه اﻻحزاب الى مجرد وقود في محركات اللعبة الطائفية المغطاة من الخارج . فما الذي أوصل الحياة الحزبية الى هذا الدرك؟

‘جنوبية’ تفتح ملف العمل الحزبي في لبنان . وفي ما يلي الحلقة الثالثة:

 شفيق شعيب: من قوة القضايا الكبرى إلى تهافت الحياة السياسية

الدكتور شفيق شعيب عمل طيلة 35 سنة كعضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني، حيث شغل مواقع قيادية عديدة. عن حياته السياسية ونظرته للعمل الحزبي اليوم بين الماضي والحاضر إختصر لنا تجربته بهذا اللقاء:

كيف تفرّق من خلال تجربتك بين مفهوم العمل الحزبي سابقاً وما هو عليه اليوم (أي بين الانتماء العقائدي والانتساب المكسبي)؟

نحن من جيل تعرّف على تجربة العمل الحزبي، في مرحلة كان فيها هذا العمل يترافق بتنامٍ وصعود بحضور القضايا الوطنية العامة والقضايا الاجتماعية المرتبطة بحياة الناس بشكل خاص، حيث رافقت هذا الحضور حيوية تخلق حقلاً جذّاباً لمجموع الشباب المهتمين بالعمل العام.

في تلك المرحلة، لا أذكر أننا بذلنا جهداً حتى نتعرّف على هذا الإطار، بقدر ما كان يحوطنا من كل الجهات في كل تفاصيل حياتنا في المدرسة، في الثانوية وفي الجامعة، في القرية وفي المدينة، في كل النشاطات العامة الأهلية. حيث كانت هذه القضايا عناصر جاذبة ومحفّزة للناس ليقدمون الجهود ويعتبرون أنفسهم معنيين بشكل فردي، وكان من الطبيعي حينها أن نجد كمّاً هائلاً من الشباب المهتمين بهذا العمل تحت عنوان القضايا الكبرى من وطنية واجتماعية وإنسانية، دون مقابل بشكل تطوعي وبحماس كبير استعداداً للعطاء والتضحية، وهذا بالطبع بتقديري مرتبط بتبني المشروع الوطني التحرري التقدمي الاجتماعي الإنساني في تلك المرحلة.

وقد بدأت عملي السياسي في حركة اليسار بتجربة بسيطة، وبالأحرى فهي ليست تجربة، بقدر ما هي انجذاب عاطفي للتجربة الناصرية بصورة عامة في البدايات الأولى، ثم انتقلت إلى اليسار الإشتراكي العلماني. ما نراه اليوم من تهافت الحياة السياسية وتوزّعها تحت عناوين الاستقطاب المذهبي والطائفي والتشوّه الذي يرافق ذلك لجهة مجموعة من القضايا الأساسية الكبرى، والتي شوّهت فكرة المواطنة وفكرة الشراكة الوطنية. فتشوهت أيضاً فكرة العمل الحزبي وفكرة العمل العام والتطوعي وتحوّلت الاستقطابات إلى استقطابات ضيّقة، متخلّفة، عشائرية، فئوية، مذهبية وطائفية.

من خلال عملك في الجامعة والاحتكاك بالشباب هل تجد عندهم ذات الحماس الذي كان موجوداً عندكم أم لا؟ وإن وجد فهل هو طائفي محض؟

الحماس موجود، لكن عناوينه مدمرة، قائمة على فكرة المذهب والشخص، تغيب عنها أية قضايا ذات بعد مجتمعي قائم على فكرة المواطنة.

والحركة الطلابية اليوم، بلغ فيها التشوّه لدرجة أصبحت فيها تتشكّل على قضايا هي القضايا نفسها التي تتشكل عليها الحركة السياسية، حتى أصبحت مشكّلة على عناوين لا علاقة لها بمصالح الطلاب. كذلك الحركة الشبابية أصبحت مشكّلة على عناوين لا علاقة لها بمصالح الشباب. وتحوَّلَ العمل الحزبي إلى عمل هو اانتصار لقوى الطائفة والمذهب، وضعُفت فكرة العمل العام المشترك والديقراطي وفكرة المواطنة.

هذا التشوّه في الحقيقة هو تشوّه عميق جداً من نتائج ما مرّ به المجتمع اللبناني، من أزمات بعد الحرب الأهلية وعجز القوى السياسية الطائفية الموجودة، عن إنتاج تسوية حقيقية تشكّل نقلة في المجتمع اللبناني لمشروع دولة.

هلا أطلعتنا على سبب توقفك عن ممارسة العمل السياسي الحزبي؟

استقلت أنا ومجموعة من الرفاق، بسبب خلافات لها علاقة بالرؤيا الساسية لمرحلة ما بعد تحرير الجنوب عام 2000 . والخيارات المطروحة أمام المجتمع اللبناني كفكرة المقاومة والدولة، فكرة الدولة ومصيرها، فكرة المقاومة وخياراتها، فكرة المشروع الوطني وعلاقته مع قوى التغيير اللبنانية المختلفة. ومنذ ذلك الوقت لم أمارس أي عمل سياسي في أي حزب أوتنظيم آخر، بل قمنا بمجموعة من المبادرات ضمن مجموعة من المثقفين الليبراليين اليساريين الديقراطيين، لإيجاد بعض الأطر للعمل المشترك وأعتقد أن حجم الإستقطاب السياسي الحاد الموجود اليوم في لبنان، يعطّل مساحات الفعل أمام هذه القوى التي ما زالت في مرحلة التفتيش عن هويتها.

 

الاحزاب

السابق
طبيب يعتدي جنسيا على 39 امراة
التالي
بلدية صيدا تمدِّد مهلة إزالة البسطات