الحزبية الغائبة 2: عن المال والمذهبية والخيبات

الاحزاب اللبنانية
مريم شعيب

في حمأة الصراع السياسي في لبنان تغيب اﻻحزاب عن المشهد ويحل محلها اسم الزعيم أو الطائفة . من جهة يتحول الصراع الى نزاع على مغانم طائفية باستقواء كل طائفة بجهة خارجية، وتغيب المساءلة الشعبية التي تمثلها اﻻحزاب . ومن جهة ثانية ، تتحول هذه اﻻحزاب الى مجرد وقود في محركات اللعبة الطائفية المغطاة من الخارج . فما الذي أوصل الحياة الحزبية الى هذا الدرك؟

‘جنوبية’ تفتح ملف العمل الحزبي في لبنان . وفي ما يلي الحلقة الثانية:

أسد غندور حول تجربته الحزبية: التنظيمات السابقة فشلت في تحقيق أيّ تقدّم

أسد غندور عضو تنظيمي مؤسس لحركة الشعب، عمل وما زال في حركة الشعب منذ تأسيسها أي منذ حوالى 14 عاماً. حول تجربته الحزبية وموقفه من العمل الحزبي كان لنا هذا الحوار معه…

• ما هو مفهوم العمل الحزبي برأيكم وكيف ترون دور الفرد في تنظيمه؟

يشكل الحيّز التنظيمي لحركة سياسية ما الجسد الذي ينقل النظرية إلى الممارسة، وبدونه تبقى النظرية، بشقّيها الفكري والسياسي، مجرّد ثرثرة فوضويين يذرون نضالهم في الهواء.

فالعمل التنظيمي هو الذي يقرّر كل شيء بعد وضع الخطة السياسية السليمة والصحيحة، بما في ذلك مصير الخطة نفسها، فشلها أو نجاحها.

ويتشكّل التنظيم السياسي من مجموعات من الأفراد بمستويات مختلفة، إرتضوا بوعي إرادي الالتزام بالفكر السياسي لهذا التنظيم أو ذاك, وبالعمل لتحقيق برنامجه السياسي وتحديثه والتغلب على العقبات التي تواجه التنظيم، داخلية كانت أم خارجية، والمساهمة في تعديل الخطة أو تغييرها كلّما كان ذلك ضرورياً وممكناً، بما ينسجم مع التطورات الاجتماعية والسياسية والفكرية والمتغيّرات في وسائل التواصل وشبكة العلاقات العامة من مختلف جوانبها.

وللفرد، الدور الأساس في مدى إنسجام التنظيم مع الخطة السياسية ومدى تطابقها مع الواقع، وفي تقدّم الخطة وبالتالي التنظيم السياسي أو تأخّره.

وحيث أننا نعيش حالة تراجع عام، وانكماش وتفتيت تطال مختلف جوانب حياتنا العامة، فلقد انعكس ذلك بصورة مباشرة على دور الفرد ومدى الالتزام الجدّي في عمله التنظيمي.

• من خلال تجربتكم، ما هو تقييمكم للعمل الحزبي أو السياسي، وكيف تبدّل الانتماء الحزبي بين ما كان عليه سابقاً وما هو عليه اليوم؟

من خلال التجربة والممارسة والمراقبة، يمكنني القول، أن الالتزام الحزبي قد مرَّ في نصف القرن الماضي بثلاث مراحل:

1- مرحلة الالتزام الجدّي المقترن بالوعي والمسؤولية والمثابرة والنقد والحماس والكفاحية. وفي هذه المرحلة كان الالتزام إرادياً، ونتيجة لتراكم وعيٍ بالأهداف التي يسعى الفرد لتحقيقها، والتي يرى فيها انسجاماً مع تطلعاته وطموحاته المستقبلية، ويبحث بدوره عن التنظيم الذي يتبنى هذه الأهداف، ويملك الرؤيا المطابقة وتشكّل انعكاساً لصورته الذاتية.

في هذه المرحلة، كنا نرى العضو الحزبي الجدّي الملتزم، الذي يسهر على تقدّم تنظيمه ويشبك أفضل العلاقات التنظيمية والاجتماعية مع رفاقه، وبين المستويات التنظيمية المختلفة من القاعدة إلى القيادة.

2- مرحلة العضو الحزبي “الموظف”. وأقول الموظف بعد أن فسد العمل التنظيمي بالمال والسلاح والمصالح الضيّقة، وأصبح العضو مجرّد أداة في شبكة منظّمة، ينفّذ تعليمات وأوامر مقابل خدمات مالية وصحية واقتصادية واجتماعية، ولا علاقة له بمدى تطوّر البناء التنظيمي من جهة أو الخطة والبرامج السياسية من جهة أخرى، وانعكس ذلك في فشل مختلف التنظيمات التي كانت قائمة في تحقيق أي تقدّم، بل تراجعت وذبلت وتصالحت مع الواقع، بكل مؤثّراته وتأثيراته، ومهّدت لقوى وشبكات منظّمة بديلة، تحمل فكراً تقليدياً وتابعاً بمعظمه للخارج، بغض النظر عن هذا الخارج ومصالحه، التي في أغلب الأحيان، لا تتطابق مع المصالح الوطنية والداخلية.

3- مرحلة العضو المزاجي، الفوضوي، المتفلّت من كل القيود، والذي اعتبر التنظيم مجرّد وعاءٍ احتواه بعيداً عن مستوى وعيه السياسي والفكري والنظري… يدخل ساعة يشاء ويخرج ساعة يشاء، بدون محاسبة أو نقد أو مساءلة، ما انعكس على مدى قدرة التنظيمات على تحقيق برامجها بقواها الذاتية وبدون مساعدة الخارج والتطوّرات الإقليمية المساعدة، وفشلت في احتلال مواقع متقدّمة على الساحة السياسية المؤثّرة.

• إلامَ ترجعون سبب هذا التراجع في الانتماء الحزبي؟

لقد ساهم في هذا التراجع جملة عوامل، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:

– فشل التنظيمات السابقة في تحقيق أي تقدّم، وعدم الربط الجدلي بين المستويات الثلاث: الفكرية، السياسية والتنظيمية.

– غياب القيم الديمقراطية داخل الأطر التنظيمية، ما فتح المجال للانتهازيين والوصوليين وللمصالح الذاتية الضيّقة.

– صعود وتنامي الفكر التقليدي والديني على حساب الفكر التقدّمي والعصري والوطني.

– التعصّب المذهبي والطائفي والقبلي والعشائري، على حساب الوطني والقومي والأممي، أي تنامي الانقسامات العامودية في المجتمع على حساب الانقسامات الأفقية الاجتماعية الفكرية.

– التبعيّة إما لزعيم أو لحزبٍ آخر أعلى قدرةً وقوّةً وتأثيراً، أو لخارجٍ إقليمي أو دولي يرتبط به بشكل مباشر أم غير مباشر.

– قصور الوعي عند الأفراد، وتراجع المستوى العلمي والمعرفي بالرغم من الوسائل التكنولوجية الحديثة وتطوّرها الهائل في الفترة الأخيرة.

– عدم محاكاة العصر والتطوّرات، والبقاء أسرى للماضي بكلّ قيمه وعاداته وموروثاته.

– تفشّي أمراض البطالة والفساد والإدمان، وغياب البرامج الوطنية، وانحلال الدولة كبناء جامع وحاضن لكلّ عناصره، ونقص في مفهوم المواطنة والحق والواجب وتراجع المجتمعات المدنية بشكل عام.

اسعد غندور

السابق
روسيا ترصد إطلاق صاروخين في منطقة المتوسط
التالي
الجيش الإسرائيلي لم يرصد أي إطلاق للصواريخ