قيود على المنظمات غير الحكومية في جنوب لبنان

في بلدة صغيرة قائمة بين النبطية وبنت جبيل، ترخي السياسة، والتقاليد، والتمويل بثقلها على إحدى المنظمات المحلية غير الحكومية. فجمعية من أجل مجتمع أفضل (ABS) الواقعة في بلدة الصوانة الموالية بمعظمها لحركة أمل لديها مشاريع لتجديد الحدائق، واستضافة جلسات للحوار بين الطوائف، وزيادة حجم مكتبتهم المتعددة اللغات.

إلاّ أنّ جمعية ABS وغيرها من المنظمات غير الحكومية، على خلاف فروع المنظمات الدولية العاملة في جنوب لبنان، تواجه ضغوطاً اجتماعية، وسياسية ومالية قيّدت أعمالها بشكل كبير. وتتجلّى هذه القيود من خلال أنواع النشاطات التي تُستضاف والمصادر التي يُطلب منها القيام بالتمويل. وقد وصف نبيل، أحد منظمّي جمعية ABS الذي فضّل عدم استخدام اسمه الحقيقي خوفاً من تداعيات سياسية لذلك، القيود التي تواجه نشاطات جمعيته.

“نقيم صفوفاً لتعليم اللغة الإنكليزية، واحتفالات بعيد الأم، ومنتديات حول البيئة والمسؤوليات المدينية”، قال نبيل لـ NOW. “ولكن لا يمكننا إحضار مغنٍ الى أي احتفال”. فاستضافة أحد الموسيقيين، او أداء أي نوع من الرقص غير الدبكة، أو القيام بنشاطات جسدية مختلطة، غير مسموح، كما قال نبيل. وهو يعزو ذلك الى الحاجة للبقاء ضمن أطر “العادات والتقاليد” الخاصة بالمجتمع الشيعي المحافظ الذي تعمل ضمنه جمعية “من أجل مجتمع أفضل”.

وبدورها اعترفت ليلي سرحان من شبكة الشباب للفعالية المدنية [شبكة المجموعات الشبابية] YNCA بوجود حواجز مشابهة. “لنحظى بقبول المجتمع، يجب أن تبقى النشاطات ضمن خطوط معينة”، شرحت لـ NOW. وتعمل منظمة سرحان بشكل أساسي في مدينة النبطية، وقد لفتت مؤخراً الانتباه لاستضافتها العديد من الأحداث المثيرة للجدل، مثل محادثات عن الطائفية، ورقص مختلط في شوارع البلدة، ونشاط للشباب لمكافحة تعاطي المخدرات. ورغم تمكّنها اليوم من تنظيم هذه الأنواع من الأحداث، شدّدت سرحان على أنّ YNCA لا تزال تتعرض لمواجهة اجتماعية كبيرة لها كنتيجة لذلك.

أما لميا الصحافية، التي تمتلك معرفة في هذه المسألة والتي طلبت من موقع NOW عدم ذكر اسمها الحقيقي لكي تتمكن من الحديث بصراحة، فقد أضافت أنّه بات هناك اليوم المزيد من القيود على “النشاطات المفرجة بسبب الحرب الدائرة في سوريا”. “هناك جو من الحزن، والألم، والخوف في جنوب لبنان”، قالت. “الشبان يقاتلون في سوريا، والناس لا يعلمون إذا ما كانوا سيعودون جرحى أو قتلى… ولا يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تعمل بسهولة في مثل هذه الأجواء”.

وفقاً لكل من نبيل وسرحان، فإنّ تداعيات إقامة مثل هذه النشاطات المثيرة للجدل هي الى حد بعيد اجتماعية وسياسية. “مسؤولو الحزب في المنطقة يمارسون ضغطاً سياسياً” قال نبيل، الذي تُعتبر طائفته موالية بغالبيتها لكل من حركة أمل و “حزب الله”. وكعضو فعّال في حركة أمل، قال نبيل إنه يجد مشكلة في إقناع مسؤولي الحزب في المنطقة بأن العمل الاجتماعي لجمعية من أجل مجتمع أفضل يجب ألاّ يُسيّس.

“الضغط الاجتماعي يحصل من قبل أشخاص يتحدّثون عنك، ولا يشاركون في الأحداث [التي تنظمها]، وينبذونك” قال نبيل لـ NOW. في بلدة صغيرة مثل الصوانة، كان من السهل رؤية كيف يمكن لمثل هذا النوع من العزل الاجتماعي أن يشكّل عائقاً كبيراً.

أما نشاطات شبكة YNCA ، التي تخطّت الحدود اكثر من جمعية “من أجل مجتمع أفضل”، فقد استرعت الانتباه بشكلٍ سلبي في النبطية، حيث تعرّض شبابها الذين يحضّرون النشاطات للمضايقة، وتم كسر نوافذ مركز المنظمة، ورفضت البلدية مراراً وبدون مبرّر، طلباتها باستضافة أحداث من تنظيمها. ومؤخراً، أُجبرت المنظمة على تأجيل إحدى المسرحيات وتغيير مكان عرضها لـ “أسباب أمنية”. وعندما تمّ تحديد العرض بعد التأجيل الأول، أُعلمت المنظمة مجدداً أنه عليها التأجيل هذه المرة الى أجل غير مسمى.

إلاّ أنّه ولحسن الحظ، نجحت YNCA في بناء رافعة منحتها القدرة على المناورة لإرسال رسائل أو استضافة أحداث كان يمكن ان تحظّر لولا ذلك. “اكتشفنا عدداً من الألعاب الذكية التي يمكن أن نلعبها”، قالت سرحان لـ NOW. “قمنا بطبع ملصقات ونشرات إعلانية من الجهتين. بهذه الطريقة، يمكن أن نرسل رسالة مهمة “ضمن” الحدث الذي نقوم أصلاً باستضافته”.

“ننظّم كذلك العديد من الأحداث بالتعاون مع منظمات غير حكومية أخرى. فهذه الأخيرة لا تواجه في العادة أي صعوبات في الحصول على تراخيص، بينما نحن بلى. ولكنّنا نبرز سلطة الشعب”.

غير أنّ القيود لا تقتصر على أنواع الأحداث التي تُقام. فقد شرحت كل من المنظمتين كيف يمكن لمصادر التمويل أن تشكّل إشكالية بالنسبة لأي منظمة محلية غير حكومية. “التقدّم بطلب تمويل من السفارة الأميركية يشكّل دوماً قضية”، قال نبيل. وشرح أنّه كان من الأسهل بكثير التقدّم بطلب للحصول على منح من السفارات الأوروبية او من USAID بشكل خاص. “ما إن يسمعوا بأننا نعمل مع أشخاص من السفارة الأميركية، حتى تقع المشاكل”. ولسوء الحظ، فقد ترك ذلك المنظمات غير الحكومية من ABS مع خيارات محدودة أكثر فأكثر لتمويل برامجها.

وفي هذا الإطار، قالت لميا إنّ المال يلعب هو كذلك دوراً مهماً في دفع الشباب بعيداً عن المنظمات غير الحكومية “المثيرة للجدل”. “يقوم “حزب الله” بالدفع للشباب الذين يعملون في منظمات غير حكومية “غير مقبولة” لكي يتركوها”، قالت.

وقد شدّد كل من لميا، ونبيل، وسرحان، على أن المنظمات غير الحكومية المحلية تتعرّض لضغوطات مالية واجتماعية وسياسية أكثر بكثير من نظيراتها الدولية. فبما أنّ المنظمات غير الحكومية المحلية يتشّكل فريق عملها من أفراد من الطائفة، تستطيع الأحزاب السياسية أن تمارس ضغطها عليها بشكل أسهل بكثير.

غير أن سرحان من منظمة YNCA بقيت إيجابية. وهي ذكرت بكل فخر الخطوات المهمة التي حقّقتها منظمتها في السنوات الأخيرة، لا سيما عندما عالجت مواضيع مهمة مثل حرية التعبير، وعدم الرضا عن القيادة السياسية، وقضايا اجتماعية تُعتبر من المحرّمات. ولدى سؤالها عن كيفية قياسها لنجاح منظمتها، دلّ جواب سرحان المُبهج على الأمل والتحدي في آن.

“نعلم بأننا نجحنا بسبب التحديات التي نواجهها”.

*قمنا باعتماد أسماء مستعارة لكل من نبيل ولميا. فقد عبّر الإثنان عن تخوّفهما من تداعيات سياسية لذلك واختارا عدم ذكر اسميهما.

 

 

السابق
إسرائيل تخرق بالعديسة والجيش يستنفر
التالي
مع ترقّب ضربة عسكرية لسوريا: أزمة اللاجئين تتفاقم