الضربة الأميركية: دمشق تتلقفها

يُنظر الى الاسبوعين المقبلين الفاصلين عن قرار الكونغرس الاميركي السماح للرئيس باراك اوباما بتوجيه ضربة عسكرية الى سوريا على انهما الاثقل وطأة، في مناخ دولي منقسم ليس حيال الضربة فحسب، بل كذلك بإزاء طريقة التعاطي مع الحرب السورية المفتوحة على خيارات الفوضى

الى ان يوافق الكونغرس الاميركي على طلب الرئيس باراك اوباما توجيه ضربة عسكرية محدودة الى نظام الرئيس السوري بشار الاسد، عقاباً على اتهامه اياه باستخدام السلاح الكيميائي ضد معارضيه في الغوطة، تتصرف دمشق على ان الضربة واقعة حتماً. توحي بأنها باتت اكثر استعداداً لتلقف تداعياتها وتخفيف وطأتها على تماسك النظام واستمراره في حربه ضد معارضيه المسلحين وتفوقه العسكري عليهم، وانضباط جيشه. توحي كذلك بأن انقضاء الايام المنصرمة اخرج الضربة من سياقها العسكري الى الجدل السياسي في مجلس الامن اولا، ثم في اوروبا، ثم اخيراً في الجامعة العربية بعدما تباينت ردود فعل اعضائها من الضربة العسكرية ـ لا من الموقف من الاسد ونظامه ـ وبدت اكثر تمايزاً.

بدوره الرئيس الاميركي نقل بنفسه الضربة من إجراء عسكري الى السجال السياسي في المجتمع الاميركي، عندما تخلى جزئياً عن صلاحيات ناطها به الدستور باستخدام القوة العسكرية، طالباً تفويضاً من الكونغرس كي يضع بين يديه غطاء الرأي العام على ما سيقدم عليه وعلى تداعياته خصوصاً.
نظر المسؤولون السوريون بكثير من الاهتمام الى سوء ادارة التهديد بالاقتصاص الاميركي من النظام، فلم يعد هدفاً في ذاته، ولا مهماً. وقد لا يصبح عند حصوله مجدياً بالقدر المتوخى مذ فاجأ الرئيس العالم بالقول انه يتحضّر لتوجيه امر الى الجيش الاميركي لضرب نظام الاسد، فسارعت وزارة الدفاع الى اعلان استعداد الجيش تنفيذ الامر فور صدوره. لم تنقضِ ساعات حتى تلاحقت الإيضاحات. ليس المطلوب قتل الرئيس السوري ولا اسقاط نظامه، ولا تقويض قدرات الجيش وتدميره، وليس ايضاً التورّط في الحرب السورية ولا ارسال جنود الى هناك. ليس اكثر من استهداف مواقع محددة، وتوجيه رسالة بليغة الى الاسد تحذره من تكرار ما تتهمه واشنطن بإقدامه عليه استناداً الى حجج وبراهين قالت انها تمتلكها وتحملها على الجزم بأنه الجاني، في معزل عن تقرير المفتشين الدوليين. وقد يصدر تقرير هؤلاء قبل ان يكون الكونغرس، في الاسبوع الذي يلي 9 ايلول موعد مباشرته مناقشة الضربة العسكرية، قد اعلن موافقته عليها او صوّت ضدها.
يأخذ المسؤولون السوريون في الاعتبار المعطيات تلك، واخصها تفكك الاجماع الاوروبي من حول الرئيس الاميركي حيال الضربة لسوريا، رغم استمرار توافر هذا الاجماع في شق آخر من الحرب السورية، وهو ضرورة تنحي الاسد وايجاد الوسائل السياسية الكفيلة بإرغامه على ذلك والتخلص منه بإحلال نظام وسلطة جديدين، لكن خصوصاً مختلفين.
بيد ان جهات على صلة وثيقة بالقيادة السورية، اطلعت في نهاية الاسبوع المنصرم على مقاربة النظام للضربة المتوقعة، وتحديداً على اثر اعلان اوباما السبت الفائت انه يطلب تفويض الكونغرس على اجراء يدخل في صلب صلاحياته الدستورية. وتركزت مقاربة القيادة السورية على المؤشرات الآتية:
1 ـــ توقعها لجوء الجيش الاميركي الى سلسلة غارات جوية على اهداف عسكرية وامنية ومراكز قيادة ومنشآت عسكرية على غرار غاراته على مواقع تنظيم «القاعدة» في باكستان واليمن. ما تتوخاه الغارات هذه ضرب بعض مواقع الجيش التي تحول دون تقدم المعارضة المسلحة في ريف دمشق بإزالة التحصينات من طريقها، وانتهاز الضربة لتعديل موازين القوى العسكرية بما يمكّن المعارضة من الاقتراب من دمشق واختراق الحزام المتين التي يحوط النظام العاصمة به.
كان الرئيس الاميركي قد اكد عدم رغبته في التورّط في هجمات ترمي الى اسقاط النظام، الا انه يريد في المقابل قرنَ رسالته بمنع استخدام السلاح الكيميائي مجدداً بجهد اضافي يساعد المعارضة على تجاوز خطوط التماس الحالية واختراقها.
2 ـــ ترجح المقاربة السورية اطلاق الجيش الاميركي صواريخه من مسافة بعيدة، يمكن ان تصل الى 800 كلم بغية تفادي تعرّض سفنه الحربية لصواريخ يطلقها عليها الجيش السوري، في محاولة للرد على الهجوم عليه. وتبعاً لتقاريرها العسكرية، تعتقد القيادة السورية بلجوء الجيش الاميركي الى طائرات من دون طيار في وسعها التحليق على علو مخفوض يحول دون اكتشاف الرادارات السورية لها، ناهيك بقدرات هذه الطائرات على اطلاق صواريخ على بعد 300 كلم من دون ان ترصدها الرادارات، وكذلك الصواريخ السورية المضادة للطائرات.
3 ـــ تميل القيادة السورية الى تلقف الضربة، وهي تبدو بالنسبة اليها بلا هدف محدد او منطقي، ومنفصلة عن اي خطة واضحة ودقيقة. الا انها لا تجد نفسها معنية بالرد الفوري عليها قبل التحقق من تداعياتها الاقليمية، ومن ثم الرد بطريقة مختلفة وغير مباشرة. تبدو القيادة السورية، بحسب ما يلمسه المطلعون على موقفها، اكثر وضوحاً من ذي قبل بالتأكيد ان دمشق لن تفتح جبهة عسكرية مع اسرائيل تعوّض عدم القدرة على الرد المباشر على مصادر القصف الاميركي، او انتقاماً منه. لا تريد ان توحي بالضعف والخوف والامتثال بعدما سارع اكثر من مسؤول سوري الى اعلان استعداد القيادة السورية للدفاع عن نفسها بالقدرات التي تملك.
لا تتوقع كذلك تحركاً عسكرياً ايرانياً رداً على ضرب مواقع النظام كما هددت طهران تكراراً، ولا استعجال السفن الروسية قبالة الشواطئ السورية للغاية نفسها. يلتقي النظام وحليفه «حزب الله» على انهما ـــ وان بضربة عابرة محدودة ـــ يؤكدان خوضهما معركة بقاء اكثر منها مناورة عسكرية وتجاذب مواقف وتوجيه رسائل سياسية. يريدان ان يخرجا من الضربة اكثر اصراراً على المضي في الدفاع عن النفس.

السابق
محور روسيا – إيران – الأسد
التالي
بري مُرتاح للترحيب الشعبي