ملف: الحزبية الغائبة في صراع المغانم

تظاهرة حزبية

في حمأة الصراع السياسي في لبنان تغيب اﻻحزاب عن المشهد ويحل محلها اسم الزعيم أو الطائفة . من جهة يتحول الصراع الى نزاع على مغانم طائفية باستقواء كل طائفة بجهة خارجية، وتغيب المساءلة الشعبية التي تمثلها اﻻحزاب . ومن جهة ثانية ، تتحول هذه اﻻحزاب الى مجرد وقود في محركات اللعبة الطائفية المغطاة من الخارج . فما الذي أوصل الحياة الحزبية الى هذا الدرك؟

“جنوبية ” تفتح ملف العمل الحزبي في لبنان . وفي ما يلي الحلقة اﻻولى.

العمل الحزبي في لبنان: فساد وتجارة وشيخوخة مبكرة

فقدت الحزبية أهدافها، تقوقعت في أفكار صُورية عقائدية هشّة، شاخت في عز شبابها، لأنها “تفلتت من قيودها المبرمة في محضر تأسيسها، لم تعد وطنية بالمعنى الصريح للكلمة، ولم تعد الحزبية همّها وجع المواطن فهي لا تلتفت اليه إلا على حين غفلة من أمرها، همها الكرسي، هدفها السلطة، غايتها ترسيخ عقيدة “الزعيم”، حالة إصطفافات وتململ تصيب القاعدة الحزبية التي فقدت شرعيتها “الفكرو-عقائدية” لتنسحب عليها “الهيمنة الحزبو-إقطاعية” فضلا عن أن الحزبيّين اليوم ليسوا متمسكين بعقيدة الحزب بل تحولت الأحزاب الى بوصلة تجارية تقيهم حرّ البطالة”.

موت سريري

“تعيش الحزبية اليوم عصر الضمور واليباس والموت السريري” بحسب ما يوصف حالها يوسف (إسم مستعار) الحزبي المتقاعد، الذي انخرط في العمل الحزبي في عمر الرابعة عشر وتنقل بين عدة احزاب حاملا ثقافة الامام السيد موسى الصدر، وفكر انطون سعادة وثورة تشي – غيفارا، فيوسف عشقه للوطنية دفعه ليكون مقاوما ضد العدو الصهيوني، وإيمانه بأن الحزب ولد لأجل الحرية المجتمعية والدفاع عن حقوق المواطن جعلاه ركنا من اركان القيادة التنظيمية، بيد أن الفساد المستشري داخل الاحزاب والتنظيمات الحزبية دفعاه ليتقاعد حزبياً ويرصد العمل الحزبي عن بعد.

 عمل تنموي

ويرى يوسف أن “العمل الحزبي كان سيادياً وعقائدياً هدفه خدمة الناس ورفع الحرمان والظلم والإحتكار على كافة الصعد، كان وطنياً غير مناطقي وهذا ما دفعنا للعمل الحزبي وشجعنا للإنخراط في لعبة الامم الحزبية، فالوطنية كانت شعارنا، ومقاومة المحتل هدفنا ونبذ الظلم رايتنا، اليوم إنقلبت موازين اللعبة الحزبية لصالح المحاور الإقليمية والدولية، فالحزب سابقاً كان يعتمد على تمويل داخلي ويؤكد على تنمية المجتمع وتوجه الشباب نحو التعليم لبناء مجتمع مثقف ومتعلم، وكانت السلطة القيادية تعتمد القرار من أسفل القاعدة حتى الهرم، بخلاف اليوم إذ أصبح القرار تتحكم به “الزبائنية الإقطاعية” وبعض المنتفعين وأصحاب الرساميل والغايات الشخصية والعائلية، أي أن الممسك بزمام الحزبية اليوم “الإقطاع العائلي المسيس الذي أدخل الى جسم الحزب للتحكم بكل مفاصله”.

نهاية مجهولة

خلعت الاحزاب هويتها يقر يوسف، بل ويؤكد اننا “دخلنا في نفق مظلم لا احد يعرف نهايته اي اننا امام النهاية المجهولة، والسبب واضح هو إقطاعية الاحزاب، فلا يمكن ان نغض الطرف عن نوستالجيتها ولا حتى الفساد التي تعوم عليه، فمثلا هناك احزاب رفعت شعار – رفع الحرمان عن المواطن- واذ بنا نرى الشعب كله محروماً هذا ان دل على شيء فإنما يدل على حجم الانزلاق الخطير الذي اصاب العمل الحزبي برمته”.

خرج العمل الحزبي عن طور “العقيدة الوطنية وإلتحق بركب التبعية الخارجية، التي تسيِّر خياراته بما يتناسب مع خريطة اهدافها هذا فضلا عن تعشش الفساد داخل الاحزاب وابتعادها عن الاسباب التي لاجلها ولدت: حماية المواطن..الدفاع عن الحق.. كبح جماح الفقر..تحقيق العدالة المجتمعية.. وغيرها من الاهداف التي ذابت في بوتقة الزعامة والقيادة والتبعية. ونسيت الحزبية على أنها ثوب وطني عقائدي ثقافي فكري لبناء المجتمع لا الأضرار به”.

“حالة تململ وعدم الثقة تسود تركيبة الأحزاب اليوم يقول يوسف “إنعدمت الثقة بالقيادات الحزبية وساد جو ومناخ التشكيك بالخيارات وصوابية القرارات التي تتخذها، فضلا عن أن هناك تساؤلاً هو ما مدى إرتباط القرارات الحزبية بالمصلحة الوطنية”، ويضيف “هناك قلق على الوطن ومستقبل أولادنا في الوطن، أرى التقسيم في النفوس وليس في النصوص وكأننا بإنتظار سايكس – بيكو جديد للمنطقة.

 منعطف خطير

ويخلص يوسف الى أن “العمل الحزبي اليوم أشبه بستالينية تعدم كل من يعارض عمله”، وبإعتقاده “فقدنا روحية العمل الحزبي كليا لصالح سياسة الزعيم الخاصة بمعنى أن قوى 8 و14 آذار خلافها ليس لمصلحة المواطن بل لصالح المواقع السياسية الخاصة بكل طرف والمحافظة عليها دون إشراك القاعدة الوطنية الكبرى في البلد من خلال استئثار 5 أو 6 زعماء بكافة قرارات البلد دون الرجوع الى الشعب. علماً بأن عديد القاعدة الحزبية للأحزاب في لبنان لا يتجاوز الـ10% من مجموع اللبنانيبن و90% من رأي الشعب مصادر بل ومهمش”.

رنا جوني

السابق
العلاَّمة الشيخ علي سويدان (قده): مجاهدُ رِّساليُّ نَّبيل
التالي
المقداد: المقاومة باتت تملك القدرة على مواجهة اي عدوان اسرائيلي