حزب الله لن يُحرّك ساكناً تجاه إسرائيل…

قَصَدَ رجل أعمال جنوبي صديقه القيادي من الصف الأول في «حزب الله» لتلمّس الخبر اليقين من منبعه عما ينتظر أهل الجنوب في قابل الأيام. بادر رجل الأعمال صديقه الشيخ المُعمّم بالسؤال عما إذا كانت هناك حرب مع إسرائيل إذا نفّذ الغرب تهديداته بضربة ضد النظام السوري على خلفية استخدامه السلاح الكيميائي ضد شعبه في ريف دمشق؟ وماذا سيحل بأهل الجنوب والضاحية، وإلى أين سينزح مئات الآلاف من الشيعة؟ ومن سيُعيد هذه المرة بناء ما سيُدمّر، ويُعوّض عليهم ممتلكاتهم؟ كانت أسئلته تحاكي مخاوف بيئته وناسها القلقين على المصير من أن يدفعوا ثمناً لن يكونوا قادرين على تحمله من جديد.
خرج رجل الأعمال من اللقاء مرتاحاً خلافاً لما كانت حاله قبله. سمع من القيادي الرفيع في الحزب كلاماً مطمئناً واضحاً ومباشراً: «نحن لن نتدخل. ولن نرد في اتجاه إسرائيل إذا قصف الأميركيون سوريا». وتابع قائلاً: «إذا ضربتنا إسرائيل في مناطقنا، عندها سنردّ. ما عدا ذلك، لن نحرّك ساكناً. وإذا أراد النظام في سوريا أن يردّ على استهدافه بقصف إسرائيل، فليردّ من الأراضي السورية، وإنْ كنت أستبعد بنسبة 80 إلى 90 في المئة أن يقوم النظام بهذا الأمر». ورغم اطمئنان رجل الأعمال الجنوبي لما سمعه من صديقه الشيخ العليم بباطن الأمور، إلا أنه أراد أن يذهب أبعد في مسار التيقن ومعرفة ما إذا كان التقى «بالسيّد» مؤخراً. فَهِمَ الشيخ مغزى السؤال، فأجابه: «بالأمس كنت وإياه معاً».
هذه الأجواء تتقاطع مع المعطيات المتوافرة لدى دوائر مطلعة في المؤسسة العسكرية، بناء على معلومات وصلت عبر أكثر من قناة من أن الضربة الغربية، إن حصلت، ستكون محدودة، ولا تهدف إلى إسقاط النظام أو إحداث تغيير في موازين القوى، ما يعني من وجهة النظر العسكرية، أن الأهداف التي سيتم انتقاؤها لن تكون سوى أهداف وهمية وليس أهدافاً فعلية، والمغزى منها أن تشكل سياسة رادعة للنظام، وتحذيرية له من اللجوء ثانية إلى استخدام السلاح الكيميائي، والذي لا يمكن للمجتمع الدولي التغاضي عن مستخدِمَه من دون عقاب كي لا يتحول سلاحاً يمكن استسهال اللجوء إليه من قِبَل الآخرين. ومن هنا ثمة اعتقاد قوي بأن حصول الضربة العسكرية، ضمن تلك الضوابط، سيمرّ من دون رد فعل مباشر، سواء من النظام السوري، بحيث يتعامل معها كما تعامل مع الضربات الإسرائيلية التي استهدفته منذ اندلاع الثورة السورية، أو من قبل حليفه الإيراني، أو اللبناني «حزب الله»، الذي لا يُتوقع أن يُقدم على استخدام الأراضي اللبنانية للرد على الضربة العسكرية الموجهة للنظام السوري.
ويذهب مطلعون في قيادة المؤسسة العسكرية إلى الاعتقاد بأن الرسالة المتوخاة قد وصلت إلى النظام السوري حتى ولو لم تحصل الضربة العسكرية، والتي يُظهر الرئيس الأميركي باراك أوباما حيالها الكثير من التردّد رغم طابعها المحدود. لكن هؤلاء يتخوفون من الاندفاعة الفرنسية التي قد تحوّل باريس إلى رأس حربة في قيادة العمل العسكري بحيث تجر معها أميركا والغرب والمجتمع الدولي، وهي سبق أن اعتمدت هذه الاستراتيجية مرات عدة، ولا سيما في ليبيا. غير أن بعض المراقبين يرون أن تردّد أوباما يعود إلى ضعفه وإدارته، وإلى اعتماده سياسة القيادة من الخلف، بحيث أنه لا يزال مسكوناً بهاجس التورّط في حرب جديدة على غرار حربي أفغانستان والعراق، فيما لا يُبدي الرأي العام الأميركي تأييداً لتدخل بلاده في سوريا.
على أن المشهد المتوقع لردّات فعل محور طهران – دمشق – حارة حريك قد يتبدّل، وفق القراءة العسكرية، إذا ما استشفَ هذا المحور أن أهداف الضربة تتعدّى البُعد الردعي إلى مسعى إسقاط النظام. بحيث تصبح احتمالات الحرب الشاملة في المنطقة قوية، وعندها يشكل «حزب الله» جزءاً منها، ولن ينجو لبنان من تداعياتها إذ سيكون حُكماً في عين العاصفة.
لكن تساؤلاً جوهرياً يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل يمكن للموقف الأميركي – الفرنسي – البريطاني المدعوم من تحالف عربي – تركي داعم للمعارضة السورية أن يكون موقفاً «فولكلورياً» إلى الحد الذي يتم تصويره من قبل حلقاء سوريا؟ وهل ستقف المعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري، موقف المتفرّج أم أنها ستستفيد من الزخم الدولي الذي تشكّل في ظل الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه النظام السوري باستخدامه السلاح الكيميائي، والذي جعل الحليف الروسي محرجاً في تغطية الرئيس السوري، على رغم مساعي موسكو للتخفيف من وطأة الاندفاعة الغربية ضد الأسد، حتى ان موقف الرئيس الإيراني حسن روحاني كان متمايزاً في إدانته استخدام السلاح الكيميائي بما شكل إقراراً ضمنياً بأن النظام هو الجهة المسؤولة عن ذلك.
فمحاولات التخفيف من القرار الغربي وتداعياته من قبل المحور السوري – الإيراني وحلفائه يشكّل، في رأي قوى سياسية مناوئة له، تبريراً لقرار عدم التورّط أكثر في الوحول السورية بدءاً من موسكو، التي قالت إن زمن خوض الحروب لمصلحة الغير قد ولى، ومروراً بطهران التي تواجه أزمات داخلية، وتُعبّر، مع مجيء روحاني، عن رغبة في مدّ اليد للأميركيين وصولاً إلى «حزب الله» الذي يدرك أن الدخول في حرب مع إسرائيل سيكون ذا كلفة عالية عليه وعلى بيئته الحاضنة. وهي محاولات، وإنْ كانت تهدف إلى استيعاب الضربة بأقل الخسائر الممكنة، لكن أصحابها سيكونون على المحك بعد تنفيذها وبدء «بازار» التسويات السياسية.

السابق
سوسان: الاجراءات حول المساجد ضرورية تحصينا لمدينة صيدا من الاستهداف المجرم
التالي
الجيش:استحداث قناة اتصال مباشرة مع المواطنين بتطبيق Shield LAF العامل على الهواتف الذكية