السياسة الافضل هي الوقوف جانبا

عندما سُئل موشيه دايان عن الحرب بين مجموعتين فلسطينيتين في غزة قال: ‘فليقتل الواحد الاخر’. كان هذا هو النهج الاساس للرئيس اوباما من الحرب الاهلية في سورية. فقد توصل الى الاستنتاج بان المصلحة الامريكية لن تخرج كاسبة من انتصار أي من الطرفين: لا من انتصار الاسد، الذي سيجلب معه الى الاحتفال ايران، ولا من انتصار الثوار، الذين سيجلبون معهم كل عصابات الجهاد العالمي. في هذه الحرب التعيسة امريكا لا يمكنها الا ان تتورط.
ولكن اوباما رسم خطا أحمر: استخدام السلاح الكيميائي. طالما كان استخدام السلاح الكيميائي على نطاق ضيق، يمكن لاوباما أن يتصرف وكأن الحدث غير موجود. ولكن في نهاية هذا الاسبوع، في ضواحي دمشق، مع كميات من الكيمياء قتلت 300 مواطن، ما كان يمكن لاوباما أن يتجاهل بعد الان. ليس المس بحقوق الانسان أو الخرق للمواثيق الدولية هما اللذان يفرضان على امريكا ان تعمل، بل الحاجة الى الحفاظ على مصداقيتها. فمع مصداقية قوة عظمى لا مجال للعب.
على طاولة اوباما توجد سلسلة من العمليات العسكرية التي يفترض به أن يختار منها، السؤال هو ما الذي يريد ان يحققه، سنذهب من السهل الى الثقيل: استعراض قوة، عقاب، ردع، اشارة دراماتيكية، انهيار السلطة. اختياره يملي عدد صواريخ التومهوك التي ستطلق او عدد القذائف التي سيلقي بها، عدد الاهداف التي ستتعرض للهجوم ونوعيتها، وكلما وقعت العملية بسرعة أكبر ستكون اكثر تركيزا وأضيق. العالم لا يتوقع عملية طويلة وبالتأكيد ليس عملية تحسم مصير الحرب الاهلية، ولكن التوقع لعملية بهذا اليقين يجعل الامتناع الامريكي عنها شبه متعذر.
الاعتبار الاخر لدى اوباما يتعلق باليوم التالي. فهو لا يريد أن يتورط في تصعيد يلزمه بمزيد من العمليات، ولا تتعلق المخاوف بالولايات المتحدة وحدها، فهجوم صاروخي مكثف من سورية على اسرائيل او على تركيا لا يمكن أن يبقي امريكا غير مبالية، فالمرة الاخيرة التي نزلت فيها قوات امريكية في دولة مجاورة لاسرائيل كانت اثناء حرب لبنان الاولى، قبل ثلاثين سنة. وانتهت الرحلة القصيرة اياها بانسحاب مفزع. لا احد في امريكا يشتاق لعودة الحروب، وبالاخص بعد أن فقدت امريكا 6 الاف من ابنائها ومليارات الدولارات في حروب مخيبة للامال، عديمة الانتصار، في العراق وفي افغانستان.
عندما تقرر اسرائيل الرد العسكري على ضربة من جانب جهة عربية، فانها تولي وزنا هائلا للتوقيت: من المهم ان تتم العملية بسرعة، عندما يكون الدم لا يزال ساخنا، الضربة في اسرائيل في الاخبار، والعالم متعاطف. لامريكا لا توجد مشكلة كهذه، في نظرها نفسها هي العالم.
ومع ذلك، توجد لاوباما مشكلة توقيت: يوم الاربعاء القادم يفترض ان يسافر الى روسيا للقاء قمة مع بوتين. من الافضل الاستباق والسماح لبوتين بقلب صفحة او الافضل التأجيل. لا يمكن للعملية ان تتم بينما اوباما في روسيا.
من المهم لاوباما ان يقف خلفه ائتلاف يضم الجامعة العربية وتركيا؛ من المهم لاوباما أن ينال تأييد الكونغرس. فالبيان الذي اصدرته الجامعة العربية امس ايجابي من ناحيته، ولكنه يتطلب ايضاحا. ولكل هذا المطلوب زمن. هل الاسد سيرد على هجوم امريكي باطلاق صواريخ على اسرائيل؟ في الجيش الاسرائيلي يقدرون ان لا، وحتى اذا ما كانت مثل هذه المحاولة، فان قدرات الاسد محدودة بعد أن اطلق قسما كبيرا من الصواريخ بعيد المدى ضد الثوار. وهو يمكنه أن يطلق عدة صليات من الصواريخ على الجليل. ومثل هذه الصليات لا تستدعي بالضرورة دخول اسرائيل الى حرب. ومثلما أثبت اسحاق شامير في حرب الخليج الاولى، فانه حتى حدود معينة يمكن لاسرائيل ان تتحلى بضبط النفس.
لقد حذر وزير الدفاع ورئيس الاركان الاسد من المس باسرائيل، ولكنهما ارفقا بالتحذير تصريح نوايا دفاعيا: اسرائيل لن تعمل الا اذا تعرضت للاذى. وبعد أن القيا خطابيهما صدرت تعليمات لكل جهاز الامن: لا نتحدث أكثر من ذلك عن سورية.
لا يوجد اسرائيلي لم يتأثر بمشهد الاطفال السوريين الذين اصيبوا بالهجوم الكيميائي. وعلى الرغم من ذلك، فان المزايدات الاخلاقية التي اطلقت في الايام الاخيرة على ألسنة سياسيين اسرائيليين، بمن فيهم الرئيس ورئيس الوزراء كانت زائدة لا داعي لها. ليس لاسرائيل حق اخلاقي بالمزايدة على الامريكيين. نحن، الذين يمكننا ان نتدخل في سورية وعن حق لا نفعل ذلك، ممنوع علينا المزايدة على الاخرين. فالمزايدات تساهم فقط في الدعاية الكاذبة، التي تعزو العملية الامريكية الى ضغط اسرائيلي.
لا يتبقى لنا غير اعداد الجبهة الداخلية وانتظار الاخطار الامريكي. وهذا سيأتي، على نحو شبه مؤكد، قبل يوم او يومين من ساعة الصفر.

السابق
هل ينجح الروس في تشتيت اندفاعة الغرب؟
التالي
تحظى امريكا بتأييد دولي شامل