لبنان ليس جاهزاً للسيناريوات السورية

مع الاستعدادات التي بدأتها اعلاميا الدول الغربية للرد على احتمال استخدام النظام السوري الاسلحة الكيميائية ضد شعبه، أعلنت الدولتان المجاورتان للبنان أي اسرائيل وسوريا كل من جهتها جهوزيتها لمواجهة كل السيناريوات الممكنة في هذا التطور السوري والتعامل معها على اختلاف الوضع بين النظام السوري المستهدف والمعني الأساسي بالاتهامات حول استخدام الاسلحة الكيميائية واسرائيل كبلد يقف في الموقع المعادي. فاسرائيل التي تستبعد رداً عسكرياً من النظام تظهر في الوقت نفسه استعدادها لكل الاحتمالات للدفاع عن نفسها في مقابل اعلان مصدر أمني سوري أن النظام جاهز للتعامل مع كل السيناريوات في موازاة التحذير من اشعال الشرق الاوسط. غابت هذه التطورات المتصلة بسوريا طوعا عن مواقف المسؤولين اللبنانيين الذين انشغلوا في المقابل بلملمة ومعالجة تداعيات التفجيرين في ظل استنزاف لقدرات اجتماع المجلس الأعلى للدفاع وتحميله مسؤولية درء المخاطر عن البلد. في الوقت الذي تثير أوساط سياسية تساؤلات اذا كان لبنان جاهزاً للتعامل مع السيناريوات التي تلوح معالمها بالنسبة الى سوريا كما جارتيه ام لا مع الارجحية للخيار الثاني اي عدم جهوزيته لذلك بل على العكس.

حتى الامس القريب كانت أوساط سياسية عدة على اقتناع بأن الموضوع الحكومي لن يتجه الى تحريك جدي الا بأحداث جسيمة مؤلمة على الساحة الداخلية تفرض انتقالا قسرياً الى التعاطي مع تأليف حكومة جديدة بمقاربة مختلفة عن المقاربة والمنطق اللذين تم التعامل بهما حتى الآن. لكن التفجيرين في بئر العبد والرويس وبعدهما التفجيرين الاخيرين في طرابلس لم تكف على جسامتها لتحريك هذا الموضوع. اذ تجزم مصادر معنية أن لا شيء فعلا يتحرك على هذا الصعيد وراء الكواليس كما في الواجهة على رغم أمرين أحدهما هو خريطة الطريق التي حددها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في الكلمة التي ألقاها أواخر الاسبوع الماضي تحت عنواني الحكومة الجامعة التي تترك مجالا لارضاء الطرفين المعترض أحدهما على حكومة سياسية من دون الأحزاب والمطالب بحكومة تجمع كل الأفرقاء من دون أن ترضيهما فعلا الى جانب الحوار الوطني. والآخر هو الحركة الاستشارية التي يستأنفها الرئيس المكلف تمام سلام بناء على أن أي عنصر جديد على الساحة يفرض معطيات متغيرة قد يمكن الاستفادة منها من اجل الذهاب الى تأليف الحكومة. فالتفجيرات الاخيرة في طرابلس اثارت ضغوطا اكثر جدية من السابق ويمكن القول انها كسرت بمعنى ما مأسوي ومؤسف حصرية الاستئثار او التوظيف بذريعة ان الطرف الذي استهدف في تفجيري بئر العبد والرويس يستطيع ان يفرض شروطه ما دام مستهدفا ماديا ومعنويا. فالتوازن الذي احدثه تعميم التفجيرات على فريقي الشيعة والسنة في 8 و14 آذار هو توازن سلبي. وأضحت ذريعة التفجيرات فاعلة وصالحة للاستخدام في تنازلات متبادلة ضرورية من اجل تأليف الحكومة من دون ارجحية لفريق او لآخر او على آخر.
مرت ايام على التفجيرين الاخيرين في طرابلس وتصاعدت الآمال بأن يعيد الافرقاء مراجعة مواقفهم من أجل وقف آلة القتل والارهاب من جهة والذهاب الى تحصين البلد من جهة اخرى. لكن على رغم الالحاح والخطورة اللذين بات عليهما الوضع في ضوء هذه التفجيرات الخطيرة، فان مصادر سياسية معنية تكشف استمرار المراوحة نفسها من دون تقدم بل تخشى حسابات اقليمية جديدة حتمية في ضوء التطورات على الصعيد السوري تشمل لبنان من ضمنها وتؤثر بدورها على الحسابات اللبنانية وتمدد مرحلة تأليف الحكومة العتيدة الى أمد غير منظور على عكس الآمال التي علقها كثر على استفزاز التفجيرات الامنية تنازلات للخروج من الوضع الراهن. وتخشى هذه المصادر ان يشبه ما يذهب اليه لبنان راهناً مرحلة الاغتيالات التي تعاقبت في فترة ما بعد 2005 انما بعمليات ارهابية مختلفة. ولعل المواقف التي ادلى بها غالبية الافرقاء في لبنان غداة التطورات الاخيرة كشفت استمرار الأمور على حالها من دون تغيير جوهري وان مع ايجابية كبيرة تمثلت في التضامن اللبناني الطوائفي والمذهبي في وجه الارهاب الذي يطاول الآمنين. لا بل تخشى المصادر المعنية ان يكون ثمة ارادة لابقاء الوضع اللبناني من دون حكومة مسؤولة في هذه المرحلة من ضمن الجهوزية الاقليمية التي قد يحتاجها النظام السوري او حلفاؤه ايضا للرد او للدفاع عن النظام بما يجعل الرهان صعبا على جهوزية لبنان الرسمي كدولة لمواجهة السيناريوات الاقليمية المقبلة ايا تكن طبيعتها. فهو لم يكن جاهزا بالامس ولن يكون جاهزا غدا واعتباره من البعض جزءا من الاستراتيجية الاقليمية المتصلة بالنظام او ما يسمى منظومته تحد من قدراته على تبني سياسة تحميه في المرحلة المقبلة بما يهدد بابقائه ساحة للضغوط على الاقل ومجالا مفتوحا على استخدامه وفق الحاجة اليه وفق ما ظهر في الاسابيع القليلة الماضية. اللهم ما لم يدخل لبنان من ضمن عملية حصر الاضرار او استيعاب ردود الفعل الغربية الغاضبة على استخدام الاسلحة الكيميائية كما في قبول توجه وفد المحققين الدوليين الى الغوطة فيتم تسهيل الاوضاع فيه بما في ذلك تأليف حكومة جديدة . وهذا ما يجب انتظار بعض الوقت لاتضاحه.

السابق
إنّها الحرب…إذن!
التالي
هل تراجع الأسد؟