طنبوريت تزين شوارعها بالحِكَمْ

بلدة طنبوريت في قضاء صيدا كسرت القاعدة والمألوف وصنعت لنفسها تراثا، اذ باتت تشتهر بلافتاتها التي تنتشر على طول الطريق الحرجية المؤدية اليها، والتي تبرز طبائع أهلها ولا تخلو من الفكاهة.

تتباهى عدة بلدات وقرى جنوبية بتاريخها وآثارها حينا وبتراثها احيانا وبمنتوجاتها الزراعية تارة وبمأكولاتها الموسمية تارة اخرى… لكن بلدة طنبوريت في قضاء صيدا كسرت القاعدة والمألوف وصنعت لنفسها تراثا، اذ باتت تشتهر بلافتاتها التي تنتشر على طول الطريق الحرجية المؤدية اليها، والتي تبرز طبائع أهلها ولا تخلو من الفكاهة، ومعظمها يدعو الى المحبة والسلام والنظافة والتسامح كـ “سامح المسامح كريم”، و”ازرع المحبة تحصد السلام”.

تقع بلدة طنبوريت في قضاء صيدا وتبعد نحو 53 كلم عن بيروت وترتفع نحو 300 م عن سطح البحر وتمتد على مساحة تُقدَّر بـ 287 هكتاراً (2.87 كلم²) ويبلغ عدد سكانها نحو 1400 منهم نحو 720 ناخبا، وتفصلها عن صيدا بضعة كيلومترات، لكن الطريق اليها موحشة، وخفيفة الحركة، اذ ان عدد سكانها قليل قياسا على القرى والبلدات الاخرى، ولا يعبر طريقها الا قاصدها خلافا لجارتيها درب السيم ومغدوشة اللتين ترتبطان بخط قرى شرق صيدا واقليم التفاح وبعض البلدات جنوبا.

ويؤكد ابناء البلدة ان اللافتات وضعها نادي “النسر الابيض” منذ سنوات طويلة وتمت المحافظة عليها بالتعاون مع البلدية بعد انشائها العام 2004 وقد جاءت فكرتها على خلفية ان الطريق طويلة وموحشة وتمتد على نحو 2 كلم، لا محال ولا منازل على جانبيها، تزنرها اشجار، فرفعها بطريقة منظمة يؤنس الداخل اليها ويشعره بالسعادة، فسرعان ما يصل الى البلدة، وهو يقطع المسافة متشوقا لقراءة اللافتة الواحدة تلو الاخرى والعبرة الجديدة.

وتتنوع اللافتات بين الحكم والمواعظ والنصائح والامثال الشعبية بالفصحى والعامية، تبعد الواحدة عن الاخرى ما بين مئتين وثلاثمئة متر على طريق تمتد نحو 2 كلم، ومن ابرزها “شوفونا بعين منشوفكن بتنين”، “هونها بهون صعبها بتصعب”، “طوبى لفاعلي الخير”، “الصديق وقت الضيق”، “دق الماي بتقى ماي”، “اد بساطك مد جريك”، “عمول حساب خط الرجعة”، “تراب الوطن غالي”،” كل شيء ما بينبع بيخلص”، “بعد لحظات طنبوريت”، “عقلك براسك بتعرف خلاصك”، “عيش كتير بتشوف كتير”، “عاشر الكبير بتكبر”، “هين مالك ولا تهين حالك”، “ما بيصح الا الصحيح”، “الف صاحب ولا عدو واحد”، “العمر بيخلص والشغل ما بيخلص”، لا تحلف باسم الرب بالباطل”، لا تسرق… وسواها.

صاحب الفكرة

ويقول صاحب الفكرة الناشط الاجتماعي البير فرنسيس، “انه مضت سنوات على هذه اللافتات ولكننا نحرص كل عام على تجديدها منعا لتلفها، لانها لاقت استحسانا من اهالي البلدة والزائرين معا، واساسها ان الطريق طويلة وموحشة ووضع هذه اللافتات لا يشعر الداخل اليها بالملل، واول لافتة وضعت هي “بعد لحظات طنبوريت”، في منتصف الطريق تقريبا كي نلفت انتباه القادم انه اوشك على الوصول الى قلب البلدة، ثم تطور وضع اللافتات صعودا نحو ساحة البلدة ونزولا نحو مدخلها لجهة درب السيم، الى ان اكتمل عقدها وباتت فكرة متكاملة محبذة من الجميع، مشيرا الى “اننا اخترنا الامثال الشعبية والحكم التي تدخل الى القلب وهي ترجمة لحياتنا وعاداتنا، ومنها ما يتعلق بالنظافة، والاخلاق والقيم حرص نادي النسر الابيض والبلدية على لاحقا على الحفاظ عليها كجزء من تراث البلدة”.

رئيس البلدية

ويؤكد رئيس البلدية خالد صوما، “لقد اعجبنا بالفكرة، وبعد انشاء البلدية العام 2004 طورناها وحافظنا عليها امتدادا لمبادرة فرنسيس ونادي النسر الابيض، وقامت البلدية باشراك الناس واستمزاج آرائهم في كتابة اللافتات والاقوال المأثورة بحيث تكون من الواقع اليومي وهمومهم وتطلعاتهم وآمالهم، مشيرا الى انها ابعدت القلق وآنست وحشة القادمين واكملت البلدية بالتعاون مع وزارة الطاقة الامر باقامة اعمدة كهرباء ولكن التقنين يعيدنا الى المربع الاول وسنحاول في المرحلة القادمة ان تعمل الكهرباء على الطاقة الشمسية، مشددا ان هذه اللافتات باتت من تراث البلدة التي تفتخر بها لانها الوحيدة في منطقة الجنوب التي قامت بهذا العمل، هناك بلدات رفعت لافتات عند مداخلها فقط وبعضها آيات قرانية، بينما نحن حرصنا على محاكاة حكم الحياة وما يمكن ان يعزز ثقافة المحبة والسلام والنظافة واحترام الآخر.

سر السكان

وتخلص اللافتات الى معادلة جميلة تترجمها واحدة “ان السر بالسكان وليس بالمكان”، ويؤكد نزيه موسى صاحب محل وسط البلدة “انه على طول الطريق تنتشر اكثر من مئة وسبعين لافتة، يميزها انها كتبت بخط اليد،غير مكررة، وتعددت الوانها واختلفت امثالها وتنوع مكانها يمينا وشمالا، بحيث يقرؤها القادم الينا والمغادر منا”، موضحا ان القادمين الى البلدة كثيرا ما يعبرون عن فرحهم لهذه اللافتات، لان فيها من الحكمة والاخلاق والدعوة الى النظافة ما يسعد القلب ويريح النفس”.
بينما تؤكد ميرنا عساف، ان الاهالي يد واحدة في الحفاظ على جمال بلدتهم، لا تفرقهم سياسة ولا تشرذمهم خلافات وهم كالعائلة الواحدة، وفكرة اللافتات عززت القواسم المشترك في طبائعهم لجهة المحافظة على النظافة واحترام الغير، نأمل ان نحافظ على هذه العادة التي باتت من تراث البلدة.

السابق
تصاعد الحرب السورية : لا حوار لبنانيا ولا من يتحاورون
التالي
جمال خطاب: تفجير الضاحية سببه وقوف حزب الله الى جانب الظالم