حمى الله شعب لبنان من السياسة!

ليلة السبت، كانت الشاشات اللبنانية مليئة بالحزن والألم. وصرخة أهالي الأطفال الشهداء في طرابلس العزيزة أبكت الجميع. وما هي إلاّ لحظات، حتى ملأت الشاشة صورة فخامة رئيس جمهوريتنا، يخاطب الجميع من خلف الشاشة الصغيرة.
ليست الرسالة من باب الواجب البروتوكولي، كما في عيد الإستقلال، بل هي إستثنائية، وفي ظروف يتقرَّر فيها مصير البلد. ولذلك إِفترضَ كثيرون أن الرئيس سيكسر حاجز الصمت، ويُخرِج الدولة ومسؤوليها إلى وضعية صاحب القرار. فما مِن لبناني إلاّ ويحترم رئيس جمهوريته، المرجعية الأرفع مقاماً في الدولة، ويراهن على ضميره الوطني.
فكارثة طرابلس لم تقطع أنفاس اللبنانيين وقلوبهم فحسب، بل قطعت أيضاً إجازة الرئيس، فيما الإرهاب، في طرابلس بعد الرويس وسواها وسواها كان واضحاً أنه يتربّص اللبنانيين في أي لحظة، وهذا الإرهاب إستفاد من إجازة المسؤولين ليضرب ضربته. وفي أي حال، بالإجازة أو من دونها، الفراغ قائم… من غير شرّ طبعاً.
مشكور صاحب الفخامة على الإطلالة التلفزيونية. ولكن من حقِّ الناس أن يسألوا: ماذا حملت هذه الإطلالة سوى تكرار التمنيات والدعوات المعتادة، والتي أوصلتنا إلى الكارثة؟
فالناس إستمعوا إلى الرئيس سليمان، وهو يخاطب أركان الدولة وطبقة السياسيين في رسالة مخصصة للناس أصلاً، وسألوا: ما علاقتنا بكل هذا؟
عندما يطالب الرئيس برفع جهوزية الجيش والقوى الأمنية، يسأل المواطنون العاديون القابعون في بيوتهم خوفاً، والذين لا يطلبون إلاّ السترة: لماذا يطلب الرئيس سليمان ذلك في رسالة علنية إلى الناس، بدلاً من أن يكون ذلك قراراً عملياً حازماً داخل هرمية المؤسسات؟ ولماذا يستفيق مسؤولونا على الجهوزية بعد خراب البصرة؟ أوليس كان الأجدى بهم أن يعتمدوها قبل الكارثة؟
وما علاقتنا، نحن الناس العاديين، بدعوة الرئيس للسياسيين إلى التخفيف من حدّة خطابهم السياسي. فهل نحن الناس الذين نمون على الزعماء أم رئيس البلاد وأركان الحكم، المفترض أنهم ممسكون بزمام الأمور؟
ويعود فخامته مجدداً ويطالب بحكومة جامعة وحوار وفق إعلان بعبدا. فيا صاحب الفخامة، لقد ضجر الناس من الدعوات والوعود السرابية بتأليف حكومة تعدّدت أوصافها وتسمياتها، لكنها بقيت مجرد وعود. فلا حكومة ولا حوار ولا إنتخابات… ولا حتى رئاسية ربما.
تستوقفنا دعوة الرئيس سليمان إلى وسائل الإعلام كي تتحمّل المسؤولية، إذ يقول إن لها القدرات والشجاعة التي تجلّت في محطات مشرقة. وهذه الدعوة ننتظرها منك يا فخامة الرئيس كمؤسسات صحافية وإعلامية… لكننا ننتظر أشياء أخرى كثيرة منذ زمن طويل!
فالصحف، كل الصحف، بتاريخها وعزّة نفسها تعاني اليوم في صمت، ككل المؤسسات الوطنية الصامدة. فلماذا لا تقوم الدولة بوفاء بعض الجميل لها، وتقدِّم لها الدعم كي تستطيع الصمود، وعندئذٍ تطلب منها الوقوف إلى جانبكم في كل الملمّات.
أليس أضعف ايمان أن تساهم الدولة في تغطية الخسائر الفادحة التي تصيب كل المؤسسات الصحافية، والتي ترهقها الأكلاف المتزايدة للورق والطباعة والتوزيع والمازوت والكهرباء ورفع الاجور وسواها، وتردي المردود الإعلاني الى الصفر بسبب الأزمة الإقتصادية… وفوق كل ذلك، لا ننسى رسوم الضمان الإجتماعي التي لم تَعُد تُحتمل منذ حرب تموز 2006 ولم تجد لها الدولة بعد الجدولة.
فلتقم الدولة بواجبها الوطني إلى جانب كل الصحافة، التي تقوم أساساً بواجبها الوطني بلا مقابل.
والملايين التي يجري هدرها على الأسفار والوفود وإستئجار السيارات والطائرات… لو توضع في المكان المناسب دعماً لهذه الصحافة، لكانت أدت وظيفة في دعم الدولة والشعب، بدلاً من تمتيع المسؤولين والحكام وطبقة المحظوظين.

يطلب الرئيس من المواطنين أن يتحلوا بالهدوء وروح الشجاعة. وأساساً، فخامة الرئيس، الهدوء يلازم اللبنانيين منذ 30 عاماً بفضل الحبوب المهدئة التي تبيّن أن لبنان هو أكبر مستورديها قياساً إلى عدد سكانه.
وذات يوم، إجتمع هنري كيسينجر بالراحل الكبير، الرجل الوطني، الرئيس سليمان فرنجية، وعرض عليه ترحيل اللبنانيين بالبواخر الى بلاد الله الواسعة، لتمرير المؤامرة… لكنه رفض. وعندئذٍ قال له: إذاً، فإن ثلث الشعب اللبناني سيهاجر – وهذا ما حصل – والثلث الثاني سيموت – وهذا ما حصل أيضاً – والثلث الثالث سيصاب بالأعصاب… وهذا ما يحصل.

حمى الله لبنان واللبنانيين، ختم بها الرئيس كلمته المتلفزة.
معك كل الحق فخامة الرئيس. حمى الله لبنان وأهله الصابرين في كل المناطق… من الأشرفية إلى طرابلس إلى جونيه إلى الشياح وصور وبعلبك وسواها.
حماهم جميعاً، وهم هائمون على وجوههم في بحر القلق الهائج، داخل ثلاثية كيسينجر: الهجرة أو الموت أو… الأعصاب!
حمى الله لبنان من لعبة الأمم… لكن لعبة الأمم لا ينفّذها إلاّ… الوكلاء!
حمى الله لبنان وشعبه من السياسة ولاعبيها!
هؤلاء لا نعرف مَن يتكفّل بهم إلاّ الله سبحانه وتعالى.

السابق
الأمن أولوية
التالي
ما بعد الكيماوي