الفوضى العربية لا تؤذي أميركا وإسرائيل

الفوضى والتشوّش الكامل يكتسحان العالم العربي منذ بدء “ربيعه” قبل أقل من ثلاث سنوات. فتونس التي كانت أول من رأت بزوغ هذا الربيع تعيش حالاً من التشوّش الكبير وعدم الاستقرار السياسيين، كما أنها لا تمتلك القدرة للسيطرة التامة على حدودها. وليبيا بالكاد موجودة. فطرابلس ليست عاصمة دولة بل نقطة ضعيفة تتقاتل داخلها وتتنافس عليها الميليشيات المسلحة الإسلامية وغير الإسلامية، فضلاً عن العشائر والقبائل. ومصر تتخبّط في ركود سياسي يحدّ من قدرة الحكومة على ممارسة صلاحياتها والقيام بمهماتها. وتتخبّط ايضاً في انقسامات إيديولوجية بين الجيش والإسلاميين، الأمر الذي قسّم البلاد وزاد انتشار الأسلحة وبدأ يرسي الأمن الذاتي في عدد لا بأس به من الأحياء القاهرية ومن المناطق المصرية.
وشبه جزيرة سيناء صارت “ميني أفغانستان” أي افغانستان مصغَّرة. وحكومة اليمن تستطيع أن تسيطر على نصف أراضي البلاد إذا تحسنت أحوالها وأوضاعها كثيراً. وسوريا تعيش حرباً اهلية جدية سقط فيها حتى الآن نحو مئة ألف قتيل. والعراق ايضاً بالكاد موجود كدولة، وصار العنف فيه أمراً عادياً عندما ترتفع نسبته أو تنخفض. أما الأردن والبحرين فانهما دولتان ضعيفتان اذا ما قورنت الحال الراهنة لكل منهما بحالها في العقود السابقة. ومشكلات الدول المذكورة أعلاه كلها لن تجد لها حلولاً قريبة.
هل الوصف المفصّل أعلاه للعالم العربي أوضاعاً ودولاً من مصلحة الولايات المتحدة؟
الحكمة التقليدية والعادية تفترض أن فوضىً وتشوشاً كالمشار إليهما اعلاه ليسا من مصلحتها. ذلك انهما يشكلان تحدياً وتهديداً للشعب الأميركي – وهذا أمر صحيح بالتأكيد – وانتهاكاً للقيم الأميركية والغربية التي صارت عالمية. لكن باحثين ومحللين أميركيين جديين، منهم روبيرت كابلان يتساءلون اذا كانت الفوضى والتشوّش في العالم العربي غير سيئين من زاوية المصالح الجيوبوليتيكية الأميركية. فـ”الاسلاموية” العابرة للحدود التي يشكل “تنظيم القاعدة” التعبير الأبرز عنها تنمو وتزدهر في الدول حيث الحكومات ضعيفة وعاجزة عن ممارسة سيادتها على أراضيها وشعوبها. والشرق الأوسط الذي تنهار دوله أو دول عدة فيه يشكل الدليل الأبرز على هذا الأمر وخصوصاً بعدما صارت أراضيها مقراً لتنظيمات إسلامية إرهابية، وشعوبها “ولاّدة” لتنظيمات كهذه وبيئة حاضنة لها في الوقت نفسه. لكن هذا كله صحيح جزئياً فقط. فما شهدته ليبيا
“المتهاوية بعد الربيع” من اعتداءات إرهابية إسلامية، أبرزها على قنصلية أميركا في بنغازي قبل أشهر، لم تكن تشهده ليبيا القذافي سابقاً رغم حكمه الظالم وديكتاتوريته وانتهاكه حقوق الانسان وشرعة الأمم المتحدة وعدائه لأميركا والغرب عموماً. وهذا يعني أن الدول المستقرة أمنياً وسياسياً وذات الأنظمة المعادية لأميركا والغرب والاستبدادية تستطيع أن تفتح أبوابها لإقامة معسكرات لإرهابيين، ولاستضافتهم وحمايتهم ولوضع “أجندات” عملهم التخريبي في العالم. وقد شاهد العالم ذلك في افغانستان يوم كانت مضبوطة تحت سيطرة “طالبان” التي وفّرت ملاذاً آمناً “للقاعدة” والتي فيها تمّ التخطيط للإعتداء الارهابي الأكبر على أميركا في اوائل القرن الحالي. ويعطي الباحثون والمحللون الأميركيون أنفسهم أمثلة عدَّة على كون الدول المستقرة والراديكالية أكثر خطراً على اميركا والعالم من الدول الغارقة في الفوضى والتقاتل الأهلي، أبرزها ايران الاسلامية. فاستقرارها الداخلي هو الذي مكّنها من تأسيس “حزب الله” اللبناني ورعايته، ومن دعم الحركات الجهادية السنّية والشيعية في العالم، والأهم من ذلك من بناء قدرة نووية تكاد أن تجعل منها دولة نووية عسكرياً. وهي قدرة عجزت أميركا واسرائيل عن ضربها مباشرة أو مداورة. ولو وقعت إيران في الفوضى والحروب الأهلية لما شهد برنامجها النووي النور. ولأن ايران راديكالية وقوية وذات حكم مُمسِك بكل شيء تجد اسرائيل نفسها وكذلك أميركا وحلفاؤها مهددين دائماً بأعمال تقوّض أمنهم وتسيء الى مصالحهم. ويعني ذلك أن الفوضى والتشوش في سوريا ومصر والعالم العربي كله هما في مصلحة اسرائيل. انطلاقاً من ذلك تعتبر إسرائيل أن التهديد الذي واجهته دائماً على حدودها لم يعد استراتيجياً بل صار تكتياً. فـ”حزب الله” و”حماس” مثلاً صارا جزءاً من حرب أهلية وسوريا ومصر لم تعودا قادرتين على إرسال دبابات وجيوش الى اسرائيل.

السابق
بيريز: الأسد قاتل سفاح ومختلّ عقلياً
التالي
تكثيف الإجراءات الامنية في النبطية