بين أميركا… وأميركا!

صحيح جداً، وفي محلّه ووقته، القول “إن الغرض مرض”. والأصدق والأكثر تعبيراً عن واقع الحال، وعلى نطاق الزلازل والأعاصير التي خلّفها وراءه “الربيع العربي” الخاطف، هو القول إن فلاناً “يرى القشّة في عين أخيه ولا يرى الخشبة في عينه”.

 

هذا القول المعبّر ينطبق حفراً وتنزيلاً على السياسة الأميركية، والإدارة الأميركية، والصحافة الأميركية والمحلّلين الأميركيين، وفي المقدمة ورأس اللائحة الرئيس باراك أوباما، وللأسباب والأحداث والمواقف التي سنتطرق إلى نماذج منها.

فالبيت الأبيض، بصورة خاصة ومحدّدة، لم يلفته، ولم يثر فضول إدارته وخبرائه، ولم يحرّك الرئيس البشوش الكثير الهدوء الذي يقيم فيه، ما تتعرّض له سوريا وشعبها وأطفالها من مجازر وأهوال ومصائب ودمار، منذ ثلاثين شهراً.

وحتى بعدما أعلن عن سقوط ألف وثلاثمئة قتيل ومئات من الجرحى، نتيجة تفجير قيل إنه كيميائي في الغوطة الشرقية، بقي الموقف الأميركي عند نقطة الانطلاق ذاتها. على رغم أن الجريمة الجماعية الجديدة حصلت خلال وجود الخبراء الدوليّين الذين قصدوا سوريا ليضعوا الإصبع على… الكيماوي!

هذا هو الجزء الأول الذي يأخذنا حالاً وسريعاً إلى وضع المقارنة بين الموقف الأميركي هذا، والموقف الأميركي الآخر الممتدّ إلى مصر ومسلسل أحداثها التي كشفت الغطاء عن أسرار السياسة الأميركية “الحقيقية”، وحيث يتجسّد الانحياز.

ولا ينتهي هذا الفصل عند هذه الصورة. بل ثمة هجمة أميركية مضرية، مستشرسة، يقودها الرئيس أوباما شخصياً، يتقدمه دائماً وابلٌ من الانتقادات والتهديدات والتحذيرات للسلطات المصريّة الجديدة التي خلفت عهد “الإخوان” ورئيسهم المعزول، وبعد نزول ثلاثين مليون مصري الى الشوارع تعبيراً عن رفضهم لحكم يعيد أم الدنيا إلى القرون الوسطى.

إن لم يكن هذا هو الكيل بمكيالين، فكيف وأين يكون؟

لكن أميركا، ودائماً خلفها الاتحاد الأوروبي، لا تستطيع ان تخفي تحالفها القديم مع التكفيريين والاصوليين، وما لم يُكشف الغطاء عنه بعد، وما قد يتصل مباشرة بإسرائيل و”طموحاتها” الواسعة، وما تشهده سيناء في هذه الأثناء…

وهذا ما جعل أحد المتابعين يطرح سؤالا محيّراً، لكنه يصيب الهدف. وخلاصته: هل أن “الربيع العربي”، وما تبعه من تطوّرات تناولت الدول المحيطة بإسرائيل، هو مجرد مصادفة؟

وهل تبقى الحلقتان الضعيفتان، المتمثلتان بالأردن ولبنان، في منأى عن هذا الإعصار؟

في كل حال، لم تتأخّر المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات في الردّ الفوري على الإنذارات الأميركية. وكانت الدفعة الأولى خمسة مليارات دولار من الملك عبدالله بن عبد العزيز.

السؤال الكبير: أين المجتمع الدولي؟ أين الرأي العام الدولي؟ أين الشرعية الدولية؟ هل “تأخوَنوا جميعهم”؟

السابق
فضل الله:نخشى أن يتكرر مشهد المجازر المتنقلة التي تفتك بالشعب السوري
التالي
بن اليعازر: الأسد تجاوز الخطوط الحمر التي وضعها اوباما والعالم