اللغة الالكترونية السائدة بين الشباب لا تؤسس ولا تبني

اللغة الالكترونية
هناك خوف على اللغة العربية فيما لو "استمرّت" هذه الطريقة باستخدامها. والخوف الأكبر يكمن في عدم تركيز المؤسسات التعليمية على اللغة العربية والتمكين منها.

لغتنا العربية هي آداة الإتصال الأساسية بين أفراد المجتمع هي تمثّل الوجه الثقافي الدّالّ على هوية الفرد وهوية المجتمع ولكن “اللغة الالكترونية” المنتشرة في مجتمعنا العربي تعبّر عن انعزال الأفراد عن بعضهم وغربتهم عن أنفسهم. تلعب التكنولوجيا (الكمبيوتر والهاتف الخليوي والآيباد) في انتشار هذه اللغة بين مختلف الفئات والأعمار كافّة ولا سيّما الشباب منهم. فغزت اللغة الوسائل الرقمية من مفردات ورموز وهي تتجسّد في خطاب يومي إنتقل من إطار اللغة المحكية إلى الحيّز الكتابي عبر الهاتف والإنترنت وتمدّد ليجد طريقه إلى لغة الإعلان وأسماء المحلاّت وغيرها. فما الذي حدث وكيف دخلت هذه الظاهرة على حياة الشباب ومن أين مصدرها.. وهل هناك خوف على اللغة العربية وما هي الحلول التي يمكن اعتمادها.. هذه الأسئلة وغيرها أجابنا عليها الأستاذ في علم الاجتماع الدكتور طلال عتريسي.

يقول د. عتريسي “إنّ اللغة السائدة بين الشباب ليست اللغة العربية الفصحى بل هي اللغة “الإلكترونية” بين كل الأوساط وكل الأعمار، بمعنى أنّ اللغة المستخدمة اليوم تتناسب مع وسائل الاتصال السريعة والحديثة فيصبح استخدام اللغة تنطبق عليه مواصفات السرعة المطلوبة مع الجهاز الذي ينقل هذه اللغة”.

أمّا كيف دخلت هذه الظاهرة على حياة الشباب ومن أين مصدرها فيشرح أن “وسائل التكنولوجيا الحديثة والتي هي بطبيعتها وسائل غربية فرضت نفسها، وفرضت استخدام لغة موجودة بهذه الوسائل وفي ذات الوقت هي تعبير عن ضعف الانتماء لأنّه يوجود أحرف باللغة العربية، لكن هناك لجوء للأحرف اللاتينية بالمضمون العربي أو بتحويلها إلى دلالات عربية وإلى أرقام، فبرأيي هذا يعبّر عن علاقة أكثر قرباً بالحرف الأجنبي وبالتالي بالجهاز الأجنبي ومن ثمّ بالإنتماء الأجنبي، فيشعر بالقرب أكثر لكن هذا إنتماءاً “وهمياً” لأنّه عاجز عن التواصل باللغة الأجنبية نفسها”.

ويؤكد عتريسي ” ليست هذه اللغة العصر بل هي لغة “حائرة” لأنه يستخدم بها المضمون العربي وتحويل الحرف العربي لأحرف أجنبية ليوصل الرسالة بالمضمون الثقافي، لأحرف لغته الأصلية بأحرف لغة لاتينية. فهذه اللغة لا يمكن تسويقها في أي مكان في العالم فهي لغة محلّية محصورة. كما وأيضاً لا يمكن الاستعجال في تسميتها “ضياع هوية” لأن اللغة هي “جزء” من مكوّنات الهوية. هي أداة تستخدم لكنها لا تعكس واقع مستخدميها إنّما هي أداة من الأدوات التي تُستخدم دون أن تعبّر حقيقة عن واقع المُستخدم”.

تقصير عام

وحول سؤال إن كان هناك خوف على اللغة العربية فيشير عتريسي إلى أن “هناك تقصيراً من كل المؤسسات التعليمية والثقافية في التعامل مع مكانة اللغة العربية وموقعها وقدرتها. اللغة العربية لم تكن يوماً قاصرة في التعامل مع العصر، علماً أنّ هذا العصر ليس هو العصر الأخير، فمنذ العصور القديمة دائماً كانت اللغة تقدّم الكتب والشعر والمؤلّفات.. ربما الشباب العربي يعتبر أنّ اللغة العربية لا تعكس ظاهرة التمدّن، لكن “عملياً” معظمهم لا يعرف لغات أجنبية، فهذه اللغة (اللاتينية) لغة “مؤقتة” لا يُكتب فيها شعر أو ثقافة أو فكر أو أدب، فلا تؤسس ولا تبني لشيء”.

ويضيف “هناك مشكلة عامّة في هذا الجيل، فسهولة استخدام هذه التكنولوجيا وقلّة كلفة استخدامهاوكانت بأيدي هذا الجيل الشاب والطفل أيضاً الذي هو دون سنّ العاشرة، فهذا قد أثّر سلباً على القراءة عموماً  أي أنّه لا يمارس المطالعة في أوقات فراغه بل يحمل هاتفاً أو آيباد أو أي تكنولوجيا أخرى ويتسلّى علماً أنّ إحدى أهداف هذه التكنولوجيا هي القراءة”.

أمّا إلى أين نحن ذاهبون فلفت إلى أنّ “هناك مشكلة خطيرة وصعب توقّع حجم المخاطر التي تنشأ عنها، فمثلاً عندما يبني الفرد صدقات إفتراضية وتكثر صداقاته في ظرف يومين، إذاً ما هو مفهوم الصداقة برأيه!! وهل هناك مفهوم حقيقي للصداقة!! والذي يمضي حوالي العشر ساعات في استخدام تلك التكنولوجيا من عمر صغير فهل سيكون بعد بوسعه معرفة ما هو التواصل مع أفراد حقيقيين !! والمشاعر الحقيقية !!.. هناك مخاطر إنسانيّة لا نعرف إلى أين ستصل، لكن من المؤكّد أن الاتجاه العام سلبي”. لافتاً أنّ “المسألة ليست سهلة فمن ناحية لا يمكن منع استخدام التكنولوجيا لأنّها أصبحت جزءاً أساسياً من الحياة كالخدمات اليومية من حجز تذكرة سفر إلى تحديد موعد مع طبيب إلخ.. أصبحت أساسية وبازدياد”.

ويشدّد د. عتريسي على أهمية دور المؤسسات التربوية ومسؤوليتها ويوضح “أعتقد أنّ هناك مسؤولية على المدارس، فيجب أن يكون هناك ضبط جدّي وقاس في هذا الموضوع، كمنع الطالب من حمل التلفون أثناء الدوام فبالتالي لن يستخدمه طيلة فترة العشر ساعات وعلى مدى تسعة أشهر، فبذلك يخفّف من استخدامه. ووسائل الإعلام يجب أن تدخل في هذا الإتجاه أيضاً فتتحدّث عن السلبيات والإيجابيات وكيفية استخدامه كي يتمّ خلق ثقافة التعامل مع هذه الوسائل”. مشيراً على أنّ “الاختراع وظيفته أن يخدمني وليس أن يسيطر عليّ، ومشكلتنا أنّنا نحن من نسمح بذلك. فأهم سؤال، عندما أقوم بشراء أي نوع من التكنولوجيا، عليّ أن أعرف ماذا أريد منها، كم حاجتي لها ولماذا أستخدمها.. فمسألة الوعي جدّاً مهمّة”.

يختم عتريسي محذّراً ومبشّراً أنّ “هناك خوف على اللغة العربية فيما لو “استمرّت” هذه الطريقة باستخدامها. والخوف الأكبر يكمن في عدم تركيز المؤسسات التعليمية على اللغة العربية والتمكين منها.

السابق
الربيع العربي حرب إعلامية
التالي
على الشيعة مواكبة سليمان في انتفاضته