تحديات بلد مفخخ

لبنان من جديد في ممر الأفيال. وحين تتقاتل الأفيال يقاسي العشب، كما يقول المثل الافريقي. لكن الشعب الآن هو الذي يأخذ مكان العشب في المعاناة، وسط تدافع المشاريع الداخلية والخارجية وتصارع أصحابها بأيدي ضحاياها التي تتوهم أنها تلعب أدوارها الطبيعية في لعبة أكبر حتى من القوى الإقليمية. فلا هاجس السيارات المفخخة هو المصدر الوحيد للقلق، سواء منها ما أحدث تفجيره مجزرة وما جرى كشفه قبل التفجير، وما لدى الأجهزة الأمنية معلومات عنه، وما لا معلومات عنه. ولا لبنان، حتى في أوقات الهدوء، سوى بلد مفخخ بكل أنواع المواد الملتهبة. مفخخ سياسياً بانقسام حاد على حافة هاوية أبسط مخاطرها فراغ المؤسسات. مفخخ بالشحن الطائفي والمذهبي الممتد في الجغرافيا من المتوسط الى افغانستان والراجع في التاريخ الى كل ذكريات الفتنة الكبرى والفتن الأصغر. مفخخ اقتصادياً بالبطالة والأزمات حتى في اقتصاد الريع والافلاس ودفع الناس الى الخيار بين الجوع والهجرة. مفخخ بالفساد الذي صار القاعدة، وان بقي بعض الشواذ، في معادلة المال والسلطة. ومفخخ بالصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها والذي يديره الكبار استراتيجياً بالعصبيات الطائفية والمذهبية التي يدور فيها الصغار.

وليس هناك مذهبية من طرف واحد. فلا صدقية للوعظ الوطني الذي نسمعه يومياً من الواقفين في مواقع مذهبية. ولا الفتنة التي يحذرون منها ويوحون انهم يحاذرون الوقوع فيها هي فقط الحرب الساخنة بالسلاح، لأنها تولد في العقول الضيقة قبل أن تمارسها الأيدي. والكل يعرف أن الحرب على الارهاب مسألة دقيقة وتحتاج الى وقت طويل وجهود أمنية وسياسية وثقافية، ويصعب حتى على القوى الكبرى والبلدان المتماسكة النجاح الكامل فيها. فكيف في البلدان المفخخة. وكيف في غياب المناخ الوطني وحضور التأثر بكل أنواع الارهاب في المنطقة والعالم. من ارهاب الدولة الى ارهاب المنظمات التابعة لدول أو الفاتحة على حسابها؟
من الطبيعي أن ترتفع قبل مجزرة الضاحية وبعدها الأحداث الداعية الى تأليف حكومة لكن من غير الطبيعي أن يبقى كل طرف على موقفه المتشدد الذي يعني البقاء بلا حكومة. فلا نتيجة لانتظار ما تنتهي اليه حرب سوريا سوى انهيار لبنان. واذا كان البعض يراهن على انتصار النظام ليعرف ماذا يفعل. والبعض الآخر على انتصار المعارضة ليعرف ماذا يفعل. فإن السؤال أمام الجميع هو: ما العمل اذا طالت الحرب سنوات من دون انتصار لأي طرف ومن دون معرفة الصورة التي تتبلور هناك؟ هل نترك لبنان معلقاً في الفراغ؟
الشعب ليس عشباً أيها السادة.

السابق
مسؤولان عن تفجير الضاحية
التالي
اسرائيل شر ..لكن ماذا عن نحن؟