الصراع بيننا ليس التهاب حلق

إن كل من عانى ذات مرة من وجع حلق وحرارة ولم يُشفَ في يومين توجه بيقين الى الطبيب. فأخذ هذا مصباحا وضاغطا للسان فرأى أمامه لوزتين حمراوين منتفختين فيهما نقط بيضاء، فخلص الى استنتاج ان المريض يعاني من التهاب حلق، ورغم أن هذا الالتهاب هو على نحو عام فيروسي لا جرثومي فانه كان يصف له مضادا حيويا زيادة في الأمن. وكان المريض يأخذ ما أخذ ويُشفى في أكثر الاحوال في بضعة ايام.

واذا لم يُشفَ فان الطبيب يستطيع ان يجرب مضادا حيويا آخر وثالثا ورابعا الى أن يتوفى المريض. لكن الطبيب المتعقل يفترض ان يقف وان يسأل نفسه: ما هو الشيء الذي ليس على ما يرام؟ ولماذا لا يشفى المريض، رغم العلاج الرائع جدا؟

الجواب المنطقي هو خطأ في التشخيص. فهو يمكن ان يُفسر عدم الاستجابة للعلاج، والخيبة.

ما كنت لأجهدكم بمقدمة تتحدث عن التهاب الحلق الجرثومي، لولا أننا في وضع كهذا تماما في الساحة السياسية. إن الحرب بين اليهود والعرب في ارض اسرائيل كانت مستمرة منذ أكثر من 100 سنة. وإن أكثر المراقبين والمحللين والوسطاء على يقين من ان الصراع صراع على اراضٍ، فاليهود والعرب يتقاتلون على قطعة ارض واحدة، والحل المنطقي هو تقسيم الارض. وهذا فرض منطقي ولهذا (ولاسباب استعمارية اخرى ايضا) جاء تشرتشل الى فلسطين ـ ارض اسرائيل في 1922 وقسّم البلاد فأعطى العرب ثلاثة أرباع شرق الاردن، وبقي ما بقي تحت انتداب بريطاني لانشاء الوطن القومي اليهودي.

لم يتحمس العرب ودخل ردهم التاريخ باسم ‘أحداث 1929′. بعد ذلك عاد البريطانيون وأرسلوا لجانا اخرى اقترحت تقسيمات اخرى وخرائط غريبة عجيبة، وانتهت كل محاولة الى حمام دم وأمواج ارهاب و’وقائع′ وحروب وانتفاضات. وقُتل 23 ألف يهودي وأكثر من 100 ألف عربي، لكن لم يقف أحد من الساسة ليسأل نفسه لماذا تُكثر كل محاولات التقسيم الحروب وسفك الدماء فقط. والسبب بالطبع: خطأ في التشخيص.

ليس الصراع على اراضٍ (رغم ان له أعراضا مناطقية كثيرة ونحن نحارب عن كل دونم وعن كل بيت)، بل هو حرب دينية وصدام ايديولوجي. ولا تُحل هذه برسم خط في خريطة. ستكون ارض اسرائيل عند المسلمين الى الأبد ارضا وقفية. وقد جاء دافيد بن غوريون ايضا، الذي لم يكن ‘متدينا’ الى لجنة بيل في 1937 ولوح بالكتاب المقدس باعتباره مصدر حقنا المطلق في ارض اسرائيل. لكن رغم ذلك يعود كل ‘صانعي السلام’ بين ظهورنا ويصفون دواء ‘تقسيم البلاد’ للمرض غير الصحيح. وما زالت الخطة السياسية الوحيدة على طاولة التفاوض بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية هي التي فشلت مرة بعد اخرى.

ستوضع في الاسبوع القادم على طاولة المباحثات خطة ‘دولتين للشعبين في ضفتي الاردن أهي بديل عملي؟’ سيحدث هذا في الحقيقة ‘فقط’ في اطار مؤتمر من قبل حلقة اساتذة الجامعات لأجل الحصانة السياسية والاقتصادية، سيُعقد في مركز مناحيم بيغن، ويفحص فحصا عميقا عن السؤال التالي: هل حينما يبلغ ‘الربيع العربي’ الى الاردن ستصبح هذه هي دولة الشعب الفلسطيني. وبذلك ورغم ان الصراع لن يُحل فسيدخل عامل جديد على الأقل في المعادلة السياسية العالقة في طريق مسدود.

السابق
البرادعي سيدفع الثمن
التالي
العثور على جثة داخل ثلاجة