لا حلَّ إلا بعودة الدولة!

جميع الذين تحدّثوا عن الانفجار الاجرامي الآثم الذي تعرضت له الضاحية الجنوبيّة، أجمعوا على الاستنكار الشديد لهذا العمل البربري. وأكّدوا وشدّدوا على التضامن مع هذه المنطقة، مع هذه الفلذة من قلب بيروت وقلب لبنان وقلوب كل الناس.

مرّة أخرى يبرهن اللبنانيّون أنهم يعودون الى وجدانهم وتقاليدهم وأصالتهم في الشدائد والمصائب.

وبعفويّة وصدق قالت مواقفهم ولهفتهم ان أيّة نقطة دم ينزفها أي لبناني، إنما ينزفها في الوقت نفسه لبنان بأسره. وكل تفجير يستهدف منطقة معيَّنة أو فئة محدَّدة، إنما يصيب كل المناطق والأراضي في هذه الجغرافيا المتواضعة الحجم.

وردود الفعل التي صبَّت من مختلف أفرقاء الصراع السياسي القديم، كما من مختلف المراجع والقيادات ركّزت بدورها على وجوب استدراك الأمر قبل استفحال التطورات. وقبل الانزلاق الى “رحاب” لعبة الامم. والعمل جدّياً لمعالجة مسبّبات الاحتقان الجامح والمنتشر، والسعي الى تحدي الفخاخ المعدّة للبلد، بوحدة الصف ووحدة الموقف ووحدة الكلمة.

لكن خطوة بهذا الحجم وهذا المعنى تتطلّب من رموز الأزمة اللبنانية، ومن عناوين المأزق اللبناني الكبير، العودة السريعة الى طاولة الحوار. وبنية صافية. ورغبة في التفاهم والمصالحة.

فجميع الأفرقاء والتيارات والتكتلات في مركب واحد، هم ولبنان. إن لم يكونوا في مِرجَل واحد، قد وُضع فوق نار حامية. إذاً، كم يكون رائعاً وفي وقته لو يتقدَّم أحدهم من الجميع هاتفاً بابتسامة جديدة: هذي يدي عن بني قومي تصافحكم، فصافحوها يصافح اللبنانيون بعضهم في أسرع من لمح البصر.

ولأن الوقت وقت مصارحة، فإن الماضي القريب كما الماضي البعيد كلاهما يحذّرنا من ان التداخلات العميقة مع الخارج لا تزال تفعل فعلها، ولا تزال تحول دون أي نأي بالنفس، أو اتفاق، أو مصالحة، أو حتى هدنة بين اللبنانيين.

لا شك في أنّ لبنان مستهدف. وبصورة شبه دائمة. أما الأسباب فلا تحصى. في رأس اللائحة النظام الديموقراطي، ولو معتلاً ومعتقلاً. ثم تعدّد الانتماءات والطوائف والأحزاب والثقافات، حتى العادات والأذواق والتقاليد.

أما السبب الأهم والأدق والأخطر في آن واحد، فهو صمود لبنان على مرّ الحروب والأزمات والكوارث والاصطدامات والجفاء والعداء والانقسامات، وبقاؤه واحداً… في الجغرافيا على الأقل، وفي “الانتماء الصوري” على الأكثر.

عدا ذلك، واضافة الى كل ما سبق له ان قيل، وما سيُقال لاحقاً، فإن من رابع المستحيلات تقسيم لبنان… أو السيطرة عليه وهيمنة من فريق واحد، أو طائفة واحدة، أو حزب واحد على مقدراته.

والأيام بيننا: لا حلّ إلا بعودة الدولة.

السابق
السيّدة عائشة لا تفعلها
التالي
استُهدف مدنيون لا حزب الله