اوباما في ورطة حيال مصر

‘التغيير يجب أن يقع في مصر. تغيير منهاجي، كبير، مرتب، وهو يجب أن يبدأ الان’. هذا ما قاله الرئيس اوباما ليس في الايام الاخيرة، في اعقاب المذبحة التي ينفذها قادة الحكم العسكري بحق مؤيدي مرسي المعزول، بل قبل سنتين، عندما خرج ملايين المصريين الى الشوارع في دعوة للاطاحة بالرئيس مبارك. التعابير التي اختارها في حينه الرئيس كانت تعابير قاطعة لا لبس فيها، أسود وأبيض. وبتعابير جورج بوش، يمكن القول انه قسم في حينه الواقع في مصر الى أخيار مقابل اشرار. مبارك كان الشر، المتظاهرون كانوا في جانب الاخيار. غير أنه منذئذ مرت سنتان.
اوباما، الذي رأى في الانقلاب في مصر استمرارا مباشرا لخطابه الشهير في جامعة القاهرة، ذاك الذي وضع خطا مباشرا بين شعار التغيير الذي باسمه انتخب للرئاسة ودعوة التغيير من المتظاهرين في ميدان التحرير صحا، فالواقع صفعه على وجهه، فقد تلبدت السحب فوق ما وصف في الماضي بانه ‘الربيع العربي’. وهذا الاسبوع بدا مختلفا حين قال: اميركا لا تقف في جانب اي من الطرفين’، كما أوضح في خطابه يوم الخميس الماضي. وقد أوضح نائب مستشار الامن القومي بن برودس فقال ان ‘التحدي من ناحيته هو ان اختيار طرف ومحاولة تصميم الحل تضعنا في مركز المشكلة، وفي نهاية المطاف تجعل الولايات المتحدة الموضوع نفسه’.
من ناحية الولايات المتحدة تعد هذه ورطة سياسية، ففي الاختيار بين الاخوان المسلمين ورجال الجيش فان التفضيل الواضح هو للابسي البزات. ومثلما في انقلاب الضباط السابق في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، هذه المرة ايضا الاحساس هو ان الحديث يدور عن شريك مسؤول، معتدل نسبيا، متوازن، افضل بكثير من متطرفي الاسلام. في حينه ايضا، مثلما اليوم، خرج الضباط، بعد أن أطاحوا بالملك واستولوا على الحكم، نحو حملة تطهير عنيفة ضد قادة الاخوان المسلمين. الامر الذي يمكن أيضا أن يشرح ما قاله وزير الخارجية جون كيري في بداية الشهر، حين وصف عزل مرسي بتعابير ‘اعادة الديمقراطية’. فقد قال ان ‘الجيش طلب منه التدخل من قبل ملايين الناس. لافضل حكمي العقلي، الجيش لم يسيطر على الدولة’.
غير ان ما قاله كيري، حتى ان عبر بالشكل الافضل عن الاحساس في اوساط القيادة الامريكية، لا يمكن للرئيس اوباما أن يقوله، وقد اختار الحديث بصوتين. ‘نحن نشجب بكل قوة الخطوات التي اتخذتها الحكومة المؤقتة وقوات الامن’، قال بحزم في خطابه يوم الخميس الماضي، غير أنه سارع بعدها الى التوازن في اقواله حين أوضح ان الرئيس المنتخب السابق، مرسي، جلب الانقلاب على نفسه في أن ‘حكومته لم تعمل من أجل كل طبقات السكان في مصر’.
كما أن اوباما يفهم انه لم تعد أمامه امكانيات لتغيير الوضع، وفي نهاية المطاف سيتعين عليه ان يدير منظومة علاقات سليمة مع ذات الجيش الذي يذبح الان الموالين لمرسي، وان وقف المساعدات الامريكية بمبلغ 1.3 مليار دولار سيكون بمثابة تحطيم للاواني من شأنه أن يبعث الجيش للبحث عن مصادر مساعدة في اماكن اخرى، اقل ديمقراطية، اكثر تطرفا، اكثر عداء للولايات المتحدة وبقدر كبير لاسرائيل ايضا.
‘ايام صعبة لا تزال أمامنا’، قال اوباما حين دعا الى تنحية مبارك. ‘غير قليل من الاسئلة بالنسبة لمستقبل مصر لا تزال مفتوحة. ولكني مقتنع بان الشعب المصري سيجد الاجوبة على هذه الاسئلة’. بعد سنتين، يبدو أن المصريين لا يزالون يبحثون عن الاجوبة. اما الرئيس، بالمقابل، فقد تعلم درسا مهما عناصره يشعر بها في السنتين الاخيرتين ملايين المواطنين في سوريا وفي مصر.

السابق
دعوكم من الدم على الايدي
التالي
راغب علامة يدافع عن اليسا