الشيعة في الحرب

عندما كان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يتحدث في خطابه الاخير في تجارب الدول والشعوب الاخرى في مكافحة التكفيريين، تفادى الاشارة الى تجارب الغرب واميركا تحديدا، لكي لا يبدو ان انخراط الحزب في مثل هذه المعركة هي جزء من حرب عالمية ثالثة لا يمكن لاي غربي او اميركي ان يزعم الان ان النصر كان حليفه فيها.
ولعل اصرار نصر الله وحزبه واعلامه وجمهوره على تسميتهم بالتكفيريين يهدف الى الاحتفاظ بمسافة واضحة عن تلك التجارب الغربية التي تسمي الاشياء باسمائها، وتصف هؤلاء بالارهابيين الاسلاميين، طالما ان الارهاب هو مصدر فخرهم وعزتهم، وطالما ان اي مرجعية او مؤسسة اسلامية لم تجرؤ على وسمهم بالكفر او الارتداد على الدين، وكان اقصى ما بلغه الحط من قدرهم والعزل لمشروعهم هو وصفهم بالضلال.
وهذا لا يعني ان الحزب اصبح في خندق واحد مع الغربيين او مع العرب والمسلمين المعتدلين الذين يحاربون هذه الظاهرة الاسلامية المخيفة، بل على الخطوط الامامية من جبهات تلك الحرب المستعرة منذ نحو نصف قرن، ودخلت في مراحلها الاخيرة. وهو خيار اعتمده الحزب عن سابق تصور وتصميم، عندما قدم نفسه على انه فرقة ايرانية – سورية متقدمة، قاتلت ولا تزال، خارج ارضها دفاعا عن شركائها الايرانيين والسوريين، لكنها في النهاية استدرجت الارهابيين الى عقر دارها.
وهو الخطأ الفادح نفسه الذي ارتكبه الغرب عندما ذهب الى افغانستان والعراق والصومال وغيرها من البلدان التي ينشط فيها الارهاب الاسلامي، لكنه عاد منها خائبا مهزوما، مكتفيا بعنصرين اساسيين في المواجهة، كتب عنهما الكثير في اميركا وفي الغرب عموما، هما: الضربات الموجهة عن بعد، بواسطة الطائرات من دون طيار والصواريخ البعيدة، والشيعة الافغان والباكستانيين والعراقيين واللبنانيين طبعا، الذين يبدون حماسة منقطعة النظير لكي يواجهوا حملات الارهابيين السنة ضدهم.. ويتحولوا الى قرابين تلك الحرب العالمية الثالثة.
قيل ان الفرار من هذه الحرب لم ولن يكون متاحا للشيعة، مثلما هو متوافر للغربيين الذين انجرفوا مع حماقة الرئيس الاميركي جورج بوش في غزوه لافغانستان والعراق على امل ان ينقلوا ساحات القتال الى المدن الافغانية او العراقية بدلا من ان تظل داخل المدن الاميركية. لكن هذا المنطق يسقط من الحساب العنصر الثالث الذي اضيف مؤخرا الى الاستراتيجية الغربية في الحرب على الارهاب، وهو التفاوض، الذي بدأ بالفعل مع حركة طالبان ويمكن ان يؤدي الى تسليمها السلطة الافغانية بعد انسحاب القوات الاميركية العام المقبل.
قد لا يكون التفاوض ممكنا مع الارهابيين الاسلاميين، بعدما بلغ الصراع مع الشيعة حدودا تتخطى حدود النزاع مع الغرب نفسه، لكن الانحناء للعاصفة والابتعاد عن مواقعها الرئيسية، كان وسيبقى جهدا حيويا، منشودا في اي وقت، قبل ان تصبح كل بقعة شيعية في هذا العالم الاسلامي مكانا غير صالح للسكن.. نتيجة قرار مغامر، ما زال يمكن الرجوع عنه، في لبنان تحديدا، حيث توفر التوازنات الطائفية والمذهبية، وربما ايضا التجارب الاجتماعية، ملاذا آمنا لا يمكن العثور عليه في المجتمعات الافغانية او العراقية او حتى الباكستانية، حيث يرسم التعصب والتخلف خطوط التماس التاريخية بين السنة والشيعة ويحافظ عليها الى الابد.
لن يبحث حزب الله وامينه العام عن مثل هذا البديل. اعلان الانخراط التام في الحرب العالمية على الارهاب الاسلامي، لن يؤدي سوى الى تقريب أجل الشيعة اللبنانيين، لا سيما وان معجزة بقاء النظام السوري الذي كان ولا يزال ينتج الارهابيين، او انتصار النظام الايراني الذي يعد العدة لزلزال افغاني مدمر العام المقبل، لن تتحقق.. كما ان التحالف الضمني مع الغرب هو اسوأ واخطر من التحالف مع هذين النظامين اللذين طالما كلفا شيعة لبنان بما يفوق طاقتهم.

السابق
الأمن الداخلي ينفي تفكيك سيارة مفخخة قرب منزل المدير العام ابراهيم بصبوص
التالي
مصر: مقتل 36 سجيناً من «الإخوان» خلال محاولة فرار