السيّدة عائشة لا تفعلها

قد لا يكون الشريط الاول والأخير. ربما سيعقبه المزيد من الإعلانات «اللاحقة» لأعراس الموت بعد حصولها. فيلم «سرايا عائشة» خصّص للعرض على الأراضي اللبنانية. ليس في العراق، ولا سوريا، ولا أفغانستان، ولا باكستان، ولا الصومال…
الكارثة لا تستوعبها العقول المخدّرة بأنواع كلاسيكية من الموت البطيء، التقليدي، ذاك الذي زحف اليه روتين العادة. اغتيالات، عبوات ترهيب، خطف ثم خطف الأنفاس، حفلات انتحار غير مفهومة، مسدسات وأسلحة حربية لـ«القتل الشخصي» والانتقام…
الحصرية مرعبة. شريط «الكومبارس» الثلاثة، وهم يتبنّون ولادة طفل الإرهاب في عمق الضاحية الجنوبية، يتوجّه الى أبناء بلد مرهف يرقصون للحياة فوق القبور. هذه عاداتهم، لا يستسلمون لرهبة المجهول بسهولة، ولكن…
هذا كثير علينا. العرقنة! فيه الكثير من غير المألوف، حتى ولو باعتراف أصحاب الخبرة، من قفز الى الشاشة، في شريط الترويج «لانتصار الدم»، ليسوا سوى هواة فاشلين في لعب الدور المطلوب منهم.
سيجد المشكّكون، من الذين لا يفقهون بأدبيات الإرهاب شيئا، كماً من الملاحظات على «فيديو عائشة». تسخيف بهدف التخفيف من هول الكادر الظلامي. اللحى الهائلة المفترضة، مغطاة بقناع أبيض. لا مكان للاسوَد المؤثر، لا في اللباس ولا القماش الذي التصق بالرؤوس، ولا عَلَم «لا الله إلا الله».
مسلحان جامدان بأرضهما، حافيا القدمين، بلباس «سبور»، وكأنهما آتيان لتوّهما من ناد رياضي لحمل الأثقال. لا أحزمة ناسفة. المتأهب الأول يرتدي «تي شيرت» وجينز في التصاق تام بتفاصيل عضلات الجسد المنفوخ.
الثاني ببيجاما سوداء، تصلح ايضا لحصّة رياضية. وخطيب، يتوسّطهما، جالس على كرسي، يتلو بيان عرس الموت الثاني، وما سيليه.. «سنكون دائما في عقر داركم فاجعة لكم».
النحيل الذي يردّد، بصوت يقلّد من سبقوه، ما كتب أمامه على شاشة «لابتوب»، يعد السيد حسن نصرالله بالمزيد المزيد، «بتأييد من الله وفضله». الدقيقة الواحدة التي خصّصت لطقوس تبنّي التفجير، لا تسمح له بالاسترسال في التوضيح وإفهام «الجاهلين».
دماء «الإخوان» في لبنان «غالية» على السفّاحين القابعين خلف الصورة المتحرّكة. لذلك، يطلبون منهم الابتعاد عن «مستعمرات ايران» في لبنان. ثم «وعد صادق» بالمزيد من جثث متفحمة، ذائبة على أرصفة شوارع مع ناسها، ليست هي من ستختار بإرادتها، وتوقيتها، الصعود الى «الجنّة».
هذا كثير علينا، وإن مالت النيات والرغبات صوب التسخيف والتهكّم على الهواة أصحاب العضلات المنفوخة. كل ما يحيط بالمشهد يزرع القلق. اسرائيل، بلسان رئيس أركانها، تحدثت قبل فترة عن اشتعال النار بعباءة نصرالله.
لا يمكن سوى لسيارة مفخّخة أن تترجم بأمانة تنبؤات شيطانية كهذه. الخارج يتفرّج. في الداخل ضحايا مفترضون لسرب جديد من السيارات الملعونة. ليس هذا فقط. الانتحاريون يتجوّلون بيننا. يعدوننا بمزيد من عروض الأشلاء. هذا أشنع من الحرب بكثير.
لم تؤد كل جهود وأد الفتنة سوى الى اشتعالها. دخلت السيدة عائشة أم المؤمنين، رغماً عنها، دائرة الثرثرة المعيبة على المنابر يوم تراءى للشيخ أحمد الأسير أن ثمة من يكسر المحرمات بتحقير معتقدات الآخر. نبشت قبور المذاهب لفترة وجيزة، ثم ما لبث أن عدّل الأسير في بوصلة حربه.
مع «الضاحية 2» عادت السيدة عائشة مجددا الى الواجهة. يصعب العودة الى التاريخ الغابر، الى أكثر من ألف وأربعمئة سنة، لنسأل أم المؤمنين، راوية العديد من الأحاديث النبوية، إن كانت ترضى بما فعلت «سراياها» بالأبرياء.
قد لا يكون من المفيد التفكير حتى بذلك، ما دام هناك من تبرّع لان يفتّت ويحرق أطفالا ونساء ورجالا، باسم الدين. السيّدة عائشة أصلا لا تقتل أبناءها. العنوان ليس سوى استثارة مقصودة لغرائز الآخر الرافضة للاستسلام لإغراءات الفتنة.
المقنّعون قد يطلّون مجددا. جولة جديدة في غسل العقول والتبريك بسقوط باقة من الأبرياء. زوجة الرسول لا تفعلها. لكن القراصنة سيحتكرون اسمها مرة اخرى. يفتعلون بالدين وأنبيائه ورسله لكي يبرّروا فعلتهم. هي الفتنة، بكامل أناقتها. حاضرة لكي تبتلع كل شيء. ضحاياها يعشّشون في الأزقة والمنازل المتلاصقة الخائفة. الأرجح لن يهربوا من الموت القادم. لكنهم في سرّهم يصلّون، علّ القاتل يعدل عن جريمته.

السابق
ملابس من قشر البطيخ
التالي
لا حلَّ إلا بعودة الدولة!