استُهدف مدنيون لا حزب الله

«تفجير في منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبية معقل حزب الله».

لم يجد بعض إعلامنا أي غضاضة في اختصار موت ثلاثين شخصا وجرح أكثر من مائتين بهذا العنوان.

ضاعت حكايات الأشلاء التي لم يعرف أصحابها والأب الذي فقد كل أثر له هو وابنتاه وكل من سقط ميتا لأنه مر في تلك اللحظة المجنونة التي وقع فيها الانفجار.

لا قيمة لحكايات الموت فالاستهداف أتى في ذروة انقساماتنا وما خلفته فينا من مشاعر الكراهية والبغض اللامحدود بحيث تبدو الأرواح المتبخرة مع النيران غير مرئية، بل هي تدفع بالبعض إلى الفرح العارم علنا دون أدنى رغبة حتى في مواربة مشاعر التشفي.

هناك استصراخ لمزيد من القتل حولنا، فالصور القادمة من شوارع مصر والعراق وسوريا تكتظ بالضحايا الذين لا نعرف عنهم شيئا وها قد أتى دور بيروت ليكون العنوان حزب الله لا أولئك الذين بعثر أرواحهم وأجسادهم البارود.

في ظل كل هذا الموت لا مكان للتمييز بل لا رغبة في بذل أي جهد للفصل بين استهداف مدنيين أبرياء وبين الانقسام السياسي.. يحدث ذلك كل يوم حتى أصيبت أرواحنا بالبلادة وباتت الرغبة في الانتقام وانتظار موت الخصم تتقدم على أي قيمة إنسانية.. شاهدنا ذلك في مقاربتنا للتفجيرات في العراق وللعنف الأعمى للنظام السوري ومعه متشددون مجانين وفي شوارع القاهرة.

أما في لبنان فصحيح أن الضاحية معقل لحزب الله، وصحيح أن حزب الله منخرط في حرب لا أخلاقية مع النظام السوري، لكن من قتلوا في تفجير بئر العبد كانوا مدنيين. لا قيمة لإدانة دور حزب الله في سوريا إن لم نستطع أن نثبت موقفا حاسما من استهداف المدنيين في الضاحية الجنوبية وفي أي مكان آخر.

هذه المسؤولية تقع علينا كمجتمعات وكإعلام كما تقع على حزب الله.

وللحقيقة لم يبذل حزب الله أي جهد للإبقاء على مسافة بينه وبين الضحايا فكما يستسهل خصومه مماهاة الحزب بالشيعة اللبنانيين يسعى حزب الله لتثبيت ذلك. فمنذ اللحظة الأولى للانفجار حصرت التغطية المباشرة بتلفزيون حزب الله «المنار» وجرى ضبط المتابعات الإعلامية من موقع الجريمة والمستشفيات. ليس متاحا رواية حكايات الضحايا والمفقودين مجردة من ثقل خطابات حزب الله الذي يعمق التصاقه بالناس في مثل تلك اللحظات ويسبقهم في إعلان عناوين فيشعر هؤلاء تلقائيا أن عليهم ترديدها.

وإذا كان المدنيون محاصرين بين وطأة الصورة التي ثبتها حزب الله عنهم وبين تنميطهم من قبل خصوم الحزب يدفع الضحايا أثمانا مضاعفة. في عرف حزب الله هم ضحاياه وفي عرف خصومه فقد سقطوا في معقله. أما الروايات الصغرى عن ذاك الذي ذهب ليقص شعره وانتهى جثة متفحمة وعن طفل شطبت وجهه شظية عمياء فتبقى دون صدارة التناول.

اقترب الإعلام أكثر هذه المرة من وجوه الضحايا في الضاحية الجنوبية لكنه بقي أسير الانقسام.

السابق
لا حلَّ إلا بعودة الدولة!
التالي
بيروت على طريق بغداد