صناعة الخوف الأكثر ازدهاراً في أميركا

١١ سبتمبر

تتقاسم الولايات المتحدة وكندا حدوداً مفتوحة هي الأطول في العالم. وفي مناطق الغابات الشمالية المتداخلة لا يمكن المرء معرفة في أي دولة يضع قدميه، فالفواصل بين الدولتين طبيعية، وحتى في المدن المتجاورة نجد التداخل نفسه إذ لا يفصل بين حدودهما الإدارية أحياناً سوى شارع أو بناية نصفها في هذا الطرف والنصف الثاني في الطرف الآخر. ولم يعرف الناس في تنقلاتهم بين الدولتين جوازات السفر فجميعهم يشعرون بأنهم يعيشون في مكان واحد، ما دفع الرئيس الراحل جون كيندي خلال زيارته كندا عام 1961 إلى القول: «إن الذين وحدتهم الطبيعة لا يمكن أي شخص مهما كان أن يفصلهم». كان هذا قبل تفجيرات 11 سبتمبر أما بعدها فتغيرت الحال كثيراً، وانفصلت الحدود، وصار العبور إلى الجهة الأخرى عسيراً ومكلفاً بل وخطيراً أحياناً، وهذا ما حاول البرنامج التلفزيوني الكندي «الأمن قبل الحرية» رصده عبر رحلة قام بها معدوه على طول الخط الحدودي بين الدولتين.
فوجئ سكان بلدات حدودية كثيرة في الطرف الكندي بعدد الحراس الأميركيــين المدججيــن بـالأسلحة والمزودين بمعدات تفتيش إلكترونية وهم يقيمون نقاط تفتيش جديدة بعد أيام قليلة على خطاب بوش الشهير بعد أحداث 11 سبتمبر. وسيفاجأون أكثر حين سيواجهون صرامة التعامل مع العابرين منهم إلى الجهة الثانية من الشارع أو الجسر، كما هي حال موظفة مكتبة بلدية ديربي لاند التي يقع 60 في المئة منها في منطقة كيبيك أما الباقي فيقع في ولاية فيرمونت الأميركية، ومع هذا فهي تخضع لعملية تفتيش دقيقة على يد شرطة الحدود الأميركية، في كل يوم تصل فيه إلى عملها. وسيتعرض كل من يتجاوز الحدود «الوهمية» إلى عقوبات كما حدث مع صيدلي المدينة حين ذهب إلى الطرف الثاني من دون تصريح، فأخضعته الشرطة لتحقيق طويل وحكمت عليه بغرامة مالية وصلت إلى 500 دولار وهددته بعدم السماح له بدخول الأراضي الأميركية إن فعلها ثانية، الأمر الذي دفعه لإعلان تذمره ووصف الحال التي يعيشها السكان هناك بأنها «تشبه حال أوروبا أيام الحرب الباردة». أما بالنسبة إلى سكان جزيرة كامبوبيلو التي تقع على بعد أمتار من الأراضي الأميركية، فلم يعد الأمر كما كان في السابق وصار لزاماً عليهم دفع ضريبة عبور لقواربهم بقيمة 150 دولاراً عن كل مرة يصلون فيها إلى الضفة الثانية، إلى جانب خضوعهم لعملية تفتيش دقيقة.
ويقول دونالد ألبير من معهد أبحاث السياسة الحدودية الأميركي للبرنامج: «هناك 120 نقطة عبور حدودية، 4 أو 5 منها هي الأكثر ازدحاماً بين البلدين وتظن السلطات الأميركية أن الخطر يأتي عبرها وتلمح إلى أنها تقصد بإجراءاتها «الغرباء»، لكنها عملياً تراقب وتفتش الجيران، لأن «الإرهابيين» عادة يدخلون البلاد بطريقة شرعية كما فعل مفجرو البرجين».
ويكشف البرنامج تفاصيل وثيقة «نشاط 2001» التي وقّعها البلدان ومَنح فيها الأميركيون أنفسهم صلاحيات واسعة لشرطتهم تسمح لهم، مثلاً، بدخول الحدود من دون موافقة كندية بل تمكنهم من اعتقال أي كندي يريدون. فبالنسبة إلى الأميركيين ووفق المعاهدة، لم يعد هؤلاء أصدقاء بل غرباء مشكوكاً فيهم، حالهم حال الآخرين، والتسجيلات التي عرضها البرنامج لما يجري على الحدود تؤكد سلوك الشرطة الأميركية التي ازداد عددها وفق الإحصاءات الرسمية، 600 مرة عما كانت عليه من قبل.

المسلمون والهنود
ومن بين أكثر الكنديين تضرراً بالسياسة الحدودية الجديدة المسلمون والهنود الأصليون، فهؤلاء سكنوا مناطقهم طيلة حياتهم من دون أن يعرفوا حدوداً لها ويتصرفون وفق «وثيقة العهد» التي أقرّها السياسيون الأميركيون حين أقاموا دولتهم الجديدة على حسابهم والتي تسمح لهم بالتنقل في كل الأراضي من دون عوائق إدارية. أما اليوم فعلى سكان مقاطعة موهاك المحمية أن يخضعوا للتفتيش والتحقيق كلما عبروها ولهذا يشعرون بأنهم يعاملون معاملة الأجانب. أما المسلمون، فالرقابة عليهم اشتدت. ويقول المهندس الباكستاني الأصل جيف صديقي المقيم مع زوجته الكندية في مدينة واشنطن بلين، أنه يخضع لاستجواب طويل كلما جاء إلى نقطة حدود أميركية بسيارته، يتضمن أسئلة شخصية منها ما إذا كان له أصدقاء إرهابيون أو إذا كان يحمل سلاحاً غير مرخص. ويشير الى أنه ما إن يعترض عليها حتى يهددوه بالمنع من الدخول إلى الجزء الأميركي وهذا يعني توقف عمله الذي يعتمد على تنقله بين الجزءين، كما حصل بالنسبة إلى كثيرين مثله، فضّل بعضهم العمل في بلاده على الانتقال إلى الولايات المتحدة التي أضرّت باقتصادهم وبخاصة في حقل السياحة.
يتوصل البرنامج إلى خلاصة مفادها أن سياسة نشر الخوف هي أكبر الصناعات الأميركية ازدهاراً اليوم، وأن أكثر المستفيدين من ملاحقة «أشباح الإرهاب» هم الساسة الأميركيون وأصحاب المال وما تشهده الحدود من تَغيُرات إنما تصب في مصلحتهم، فإقامة نقاط التفتيش وتشديد الرقابة وتشغيل الآلة العسكرية يحتاج إلى مزيد من المال لشراء الكثير من السلاح والمعدات، أما «حرية الناس فلا تعنيهم والأولوية بالنسبة إليهم هي الأمن المزعوم والبقية تأتي لاحقاً»، كما قال مُقدّم البرنامج في نهاية الحلقة.

السابق
اغذية لحماية القلب
التالي
لماذا الغى جنبلاط مهرجان شهداء الجبل؟