معوّقة ترسم برِجليها

فنانة معوقة

تستعمل المغربية كريمة جو عادي رجليها بدلاً من يديها في الرسم. لم تقف الإعاقة في وجه موهبتها، بل عملت على تطويرها من خبرات الحياة ومآسيها، وحوّلت حزنها إلى فرح مقدّمة لوحات مميزة، تعبّر فيها عن جماليات المدينة ورونق الألوان.

وبعدما استعملت فمها للرسم سنوات عدّة، طوّرت موهبتها فصارت تمسك الريشة بقدميها وتغوص في عالم الألوان. ومن مرارة حياتها تستخرج موضوعات وألواناً ترسم بها لوحات تشكيلية تلخص أحاسيسها وأحلامها. أحبت فنها كما أحبت الحياة على رغم صعابها، ويصفها المقربون منها بأنها رمز التحدي.

تحرص كريمة دوماً على تنظيم ورش للرسم في الهواء الطلق، وترى فيها فرصة مهمة لبيع لوحاتها لسياح مغاربة وأجانب وزوار مدينة أصيلة في شمال المغرب، وادخار ما يمكن أن تعيل به نفسها وأسرتها في الشتاء. وتقول بنبرة حزينة: «أحرص على أن لا أتكاسل في عرض لوحاتي، فجسمي يبرد ولا أقدر على الحركة شتاءً، تماماً كما يفعل النمل».

لا تعترف كريمة بالطقوس الخاصة التي يحرص عليها الرسامون أثناء عملهم، بل يمكنها الرسم في أي مكان، حتى في الشارع حيث تصنع عزلتها الخاصة وتستفيد من حركة الشارع للرسم والإبداع. وهي ترفض اعتبار ورشتها المفتوحة تسولاً واستجداء لعطف الناس، وترى أن إعاقتها كانت محفزاً لها لرفع رهان إثبات الذات والبحث عن مورد للرزق.

أسست الشابة الموهوبة لاسم بات متداولاً في الوسط التشكيلي المغربي والأجنبي، وعلى رغم ظروف والديها التي حالت دون إتمام تعليمها ومحدودية الإمكانات والوسائل ومشاكل إعاقتها المزدوجة، بعدما أصاب الشلل يديها، تحولت إعاقتها إلى موهبة تكفيها ذل السؤال. عنوان لوحاتها السواد والأمل أحياناً، فعدسات المصورين لا تفارقها وهي ترصد جديدها، وتزداد سعادتها عندما تستوقف لوحاتها نجوم الفن والرياضة في المغرب وخارجه.

تحلم كريمة بأن تصبح تشكيلية عالمية، تقارع لوحاتها أعمال فنانين مشهورين، فهي أحبّت الرسم منذ صغرها وتقول: «بدأت ممارسة هذه الهواية في سن مبكرة، واستطعت ترويض أصابع قدميّ من أجل التعامل مع الفرشاة والتحكم بها. وبعد تمرين مكثف، تمكنت من رسم أولى لوحاتي وكان عمري 11 سنة، وأطلقت عليها اسم «خربشات أولى».

وحول طريقة عملها تقول: «أرسم بقلم الرصاص واستخدم الألوان المائية، أما المواضيع التي أرسمها فهي من واقع الحياة، وأركز كثيراً على الطبيعة والإنسان وكل ما يرمز إلى العادات المغربية».

وتؤكد أن موهبتها فطرية، فهي لم تتعلم الرسم ولم يسبق أن تلقت دروساً في هذا المجال، لكنها تحرص على الاستفادة من آراء النقاد في لوحاتها وتعمل على تطوير موهبتها من خلال توجيهاتهم ونصائحهم، ومن خلال احتكاكها بالرسامين في الورش التي ينظمها «موسم أصيلة الدولي» والتي سمحت لها بالتعرف إلى فنانين تشكيليين من المغرب وخارجه، ما ساعدها على صقل موهبتها في الرسم حتى أصبحت لوحاتها تحظى بإقبال واسع.

وترى الفنانة التشكيلية أنها لم تنل حقها من الاهتمام، وغالبية معارضها التي تجاوزت الـ30 نظمت في شكل جماعي مع فنانين آخرين مغاربة وأجانب داخل المغرب وخارجه، لافتة إلى أن لها لوحات فنية يتجاوز طولها الثلاثة أمتار.

تملك كريمة قدرة خارقة على استغلال قدميها بدل اليدين المشلولتين، وقد دأبت على استعمال رِجلها اليمنى كيد بديلة للأكل والشرب والرسم، وترفض أن يساعدها أحد في هذه الأعمال. وهي تجيد القراءة والكتابة بالقدم وتحرص على تدوين أرقام زوارها في هاتفها الخليوي.

السابق
لماذا الغى جنبلاط مهرجان شهداء الجبل؟
التالي
ماركس و«الإخوان» والليبراليون