بلدة عبرا يتجاوز عمرها الـ 500 سنة

رئيس بلدية عبرا وليد مشنتف

لم تعد عبرا ملاذا لكل الهاربين من ضوضاء المدينة، أضحت في كل تفاصيلها تحت  الضوء..هذه القرية “الكوزموبوليتية” التي تقتات تنوعا وتسامحا، استحالت لبرهة أسيرة الخيارات الغريبة عن أهلها وناسها.. ولكن عبرا الممتدة تاريخا تبقى عصية على الطرح والقسمة..

كان لشؤون جنوبية هذا اللقاء مع رئيس بلدية عبرا الاستاذ وليد مشنتف، حيث دار الحوار التالي:

• كزائر أندهش أمام مشهدين: عبرا القديمة وعبرا الجديدة، ما تفسير هذا الإنقسام؟

عبرا إمتدادها كبير من حيث المساحة، و”عبرا البلدة أو عبرا القديمة” هي جزء تراثي من تاريخ البلدة الذي يتجاوز عمرها 500 سنة أما المعالم الأثرية فيها فيتجاوز عمرها ألفين إلى ثلاثة الآف سنة.

في الستينات كان هناك فرز لمنطقة جديدة في البلدة ما سمح بتوسع وامتداد سكاني،بعد عمليات بيع واسعة، وبعد الحرب الأهلية كان هذا الإمتداد مزيجاً من التنوع السكاني الطائفي والمذهبي، فكان أهل البلدة من مختلف المناطق الجنوبية، من جزين من صيدا ومن الجنوب… كانت هذه البلدة نموذجا مميزا جدا للتعايش وبالرغم من أحداث الحرب الأهلية المؤلمة، لم يصب أحد في عبرا” بضربة كف”.

مع الإجتياح الإسرائيلي سنة 1985 تهجرّ سكان عبرا وإنتشرت الفصائل الفلسطينية، فباعت معظم الأسر بيوتها في عبرا الجديدة وغادرت إلى غير رجعة ومن الناس من سافر وترك بيته، فغادر “عبرا البلدة” أغلب أبنائها تحت ضغط الخوف والحفاظ على الحياة. وبعد سنة 1996 بدأ الناس بالعودة إلى “عبرا البلدة”، وأعدنا إعمار البلدة من جديد، ساعدنا حينها مجلس الجنوب من خلال ترميم البنى التحتية ولكن المساعدات للسكان كانت قليلة ومجزّأة ومع هذا أصرّ اهالي عبرا على إعادة إحيائها والعودة إليها مع كل الصعوبات التي واجههتم وخصوصا العوائق الإقتصادية، كانت هذه الإرادة كلها مع قناعة لدى كل السكان، بأن أهالي عبرا مزيج طائفي ومذهبي متنوع يعيشون قرب بعضهم البعض بسلام، مقتنعين بالتنوع والإنتماء مهما كان مختلف.

• كيف تتعاملون مع المشاكل التي تواجهكم في ظلّ هذا التمدّد العمراني الهائل؟

المشاكل مع الأشخاص الذين لا يلتزمون بالقانون نحن لا نفرّق وبين دين ودين ولا طائفة ولا مذهب ولا حزب،نحن هدفنا خدمة سكان البلدة بقسميها.

مع سلاح الجيش

• كيف تعاملتم مع ظاهرة الأسير؟

نحن نعتبر الأسير حالة، له جماعته وأتباعه، وشريحة من الناس لا بأس بها إلتفت حوله، نحترم رأيه وفكره ونحترم الحرية التي أعطاها القانون اللبناني لجميع الأشخاص والأحزاب. كانت المشاكل كثيرة ولكننا تعاملنا معها بروية وحكمة وتكلمنا مع كل الجهات الرسمية للإضاءة على حالة والوضع غير طبيعي الذي استحدث على الأرض  طالبين منهم التدخل لحلّ الموضوع.

والمخالفات التي حدثت ضمن المربع الأمني كلها كانت تعالج بمساعدة الجيش، واتحاد بلديات صيدا والجمعيات الأهلية . ونحن لا نقبل بترهيب الناس فهذا المكان للصلاة وليس للسلاح. ولكن عندما وصل الأمر إلى السلاح واستخدامه بوجه الجيش اللبناني، كان من الطبيعي أن نقف وراء جيشنا الباسل، فالسلاح الوحيد الذي نؤمن به هو سلاح الجيش اللبناني فقط لا غير.

• هل كان هناك تجاوزات ضد المسيحيين بالتحديد؟

لم يكن هناك تجاوزات مباشرة بصراحة، كانت ظاهرة الأسير تجمع أشخاصاً من خارج المنطقة وكانت بيئة عبرا غير حاضنة لهؤلاء الأشخاص، ونحن كأصحاب هذه الأرض غير راضين عن هذه المظاهر الدخيلة على بيئتنا.

هدف… ودعوة

• ما هي المبادرات التي قمتم بها بعد الصدام المسلح بين الجيش واللبناني وأحمد الأسير؟

بداية كانت أولويتنا الإهتمام بالناس وإعادتهم إلى منازلهم والمسارعة في إعادة الترميم، كان هدفنا الأول هو الناس ولم نلتفت لا إلى مرجعية سياسية ولا إلى أي إصطفاف موجود.

نحن تألمنا كثيراً وعدنا إلى بيوتنا وعرفنا من ساعدنا ومن لم يساعدنا، حالياً هناك 1500 طلب للمساعدة والطلبات تقيّم عبر لجنة تمسح الأضرار كل هذه المراحل كانت تجري بشكل سريع، على أمل أن تجهز كافة الطلبات قبل نهاية الشهر ويتم التعويض على المتضررين.وقد بلغت التقديرات الأولية للأضرار والخسائر ما يزيد عن عشرين مليون دولار. وحالياً الخوف موجود في عيون كل سكان عبرا، ونحن نقول أن ربنا هو حامي هذا البلد، ولكن دورنا أن نقف بوجه السلاح.

• هل قمتم بمبادرات لتبديد هذا الخوف من السكان الآمنين خصوصا أن المعركة خلفت تفسخاً اجتماعياً ومذهبياً بين أهل البلدة الواحدة؟

في كل مكان تواجدنا فيه كانت دعوة لجميع الأطراف إلى الحوار، وخصوصاً المرجعيات السياسية لتوحيد الناس على الأرض، وصار هناك ثلاث لقاءات جمعت رؤساء بلديات المنطقة مع رئيس بلدية صيدا ورئيس بلدية الحارة لإشاعة جو من الطمأنينة بين سكان المنطقة، وتم الإتفاق على أن الجيش اللبناني هو المسؤول الاول وحامي الوطن وله منا كل الإحترام.ما جرى في الواقع كان من مسؤولية السياسيين ومسؤولية الإعلام ، وبدلاً من تأجيج النار كان يفترض التخفيف منها حتى لا نقتل انفسنا بأيدينا.

ويظل الرهان على التقارب بين السكان وهذا ما نعمل عليه مع مجموعة من شباب البلدة من كل الطوائف والمذاهب ، التي تزور الناس لسؤالهم عن إحتياجاتهم والمساعدة في تامينها و وإقامة الأنشطة الرياضية والثقافية والفنية ، فالإختلافات الموجودة بين الناس يجب أن تنظم على قاعدة احترام الآخر كما هو حتى نستطيع العيش سويا.

السابق
الراعي: مريم هي ايقونة الحرية والغنية بصفات الانسانية
التالي
سامي الجميل انتقد كلام رعد حول اعلان بعبدا