ماذا تعرف عن الأمر الواقع؟

في زمن الضحالة والهبوط لم يعد للتدقيق في المفردات والتعبير السياسي اي قيمة بما يحول الشواذ قاعدة والاصول شواذا. هذا تماما ما يحصل الان في موجة الترهيب المضافة الى الترهيب الامني المتعدد الوجه عبر شيطنة تشكيل حكومة ستكون في حال ولادتها المشكوك في ان ترى النور دوما نوعا مبتكرا من الهروب من امر واقع تعطيلي وترهيبي فاذا بالمرهبين ينجحون في اطلاق تسمية “حكومة امر واقع” عليها.
حتى اصحاب الشأن المعنيين بعملية تشكيل الحكومة ومثلهم القوى التي تؤيد تشكيلة لا تضم اطراف الصراع جميعا وقعوا في الاستدراج وتعميم التسمية مما وفر للمرهبين مزيدا من الترهيب. اما واقع الحال الدستوري والسياسي السوي فلا يقيم ادنى اعتبار لهذه التسمية بل ان لا امر واقعا بالمعنى الجاري تعميمه الا عبر الرضوخ للترهيب والخشية من ان يؤدي تشكيل حكومة بالمعايير التي تنسجم مع الدستور وتتلاءم مع الظروف القسرية القاهرة الى ما يتجاوز ٧ ايار ما على مستوى اشد اتساعا وخطورة هذه المرة. وهي خشية لا يجوز التقليل من احتمالاتها في تبرير التمهل في تشكيل الحكومة الى توقيت اكثر نضجا ولو ان لكثير من مناهضي هذا التمهل رأيا مخالفا.
مع ذلك لا بد من تصويب المفهوم المخادع الجاري تسويقه وتعميمه. فتشكيل الحكومة هو فرض دستوري واجب وملزم وباقرب الاجال بعد التكليف حتى لو لم ينص الدستور على مهلة محددة وكل تماد في التأخير هو تفريغ واقعي لاصول النظام وقد نجح حقا المعطلون والمرهبون في اقامة هذا العرف القاتل للاصول.
والامر الواقع هو الرضوخ القسري لمنطق القوة القاهرة التي تضاهي في مفاعيلها وتداعياتها المعطلة للدولة والمشلة لعملية دستورية اي واقع احتلالي خارجي ولا يعود ثمة فارق هنا بين سلاح غير شرعي يرهب الدولة واركانها وواقع احتلالي مهيمن على الارض والسلطة على غرار ما كانت عليه حقبة الوصاية السورية على لبنان علما ان معظم الانتهاكات الدستورية تحت وطأة الترهيب هو من موروثات تلك الحقبة الاشد شؤما في تاريخ لبنان والتي لا تأبى الا استعماره بعد زوالها.
والامر الواقع ايضا وايضا هو تحويل حكومة تصريف الاعمال التي لم يتبق من اثر استهلاكها الاطول من اي مدى معقول سوى اقطاعات لقوى معروفة باتت تقيم على مغانم السلطة والوزارات اقامة انقلابية بعدما استهلكت شرعيتها الى اكثر مما يحتمل مفهوم تصريف الاعمال الموقت والمحدود والقصير الاجل.
اصحاب الامر الواقع هؤلاء لا يجربون وقد تكون مغامرة شديدة الخطورة الدفع نحو تجربة مجربهم. ولكن على الاقل لتسم الامور باسمائها الاصلية لئلا ينتصروا مرتين وتغدو الضحية التي هي الدولة ومعها الناس اشبه بالمصاب بمتلازمة استوكهولم اي عاشق جلاده!

السابق
محفظة غير قابلة للنشل
التالي
مجدلاني: لبنان على حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والامني