وحدة مسار ومصير في المأساة

المعالجة السياسية مطلوبة ولكنها مستحيلة . فالبلد يعيش الفراغ المطلق : السلطتان التنفيذية والتشريعية غائبتان ، وكل ما يبقى هو مؤسسات وأجهزة أمنية تعمل بمبدأ تصريف الاعمال ، فتعالج مشكلة هنا ، وترقع وضعا هناك ، من دون غطاء سياسي فعلي . والاهم ، من دون سياسة أمنية واضحة .

كان من المأمول أن تشكل عطلة عيد الفطر فسحة للاستراحة من الاعباء والضغوط الجاثمة

على صدور اللبنانيين ، فتنطلق الحركة السياسية بعدها لمعالجة الملفات العالقة والتي تشمل كل شيء : السياسة والامن والهم المعيشي . الا ان الصراعات الاقليمية في “ساحة لبنان” ، أبت الا ان  تنغص على الناس فرحتهم بالعيد ، وتقضي على أي أمل بانفراج قريب . وهكذا سجلت الايام الثلاثة الماضية مزيدا من الربط بين الوضع اللبناني وبين الحرب السورية . ولان الاخيرة لم تعرف هدنة في العيد ، حيث احتدمت المعارك في العديد من المناطق السورية ، تأكد للجميع ، وبشكل مأساوي ، شعار “وحدة المسار والمصير” ، بين لبنان وسوريا .

حادثان أمنيان بالغا الخطورة شهدتهما أيام العيد الحزين . الاول تمثل بخطف طيارين تركيين على خلفية قضية مخطوفي أعزاز ، المتفرعة بدورها من الازمة السورية . والثاني مرتبط بصورة غير مباشرة ، بتلك الازمة ، اذ تحولت عملية تبادل مخطوفين بين اللبوة وعرسال  الى كمين مسلح سقط بنتيجته قتيل وثلاثة جرحى ، بينهم رئيس بلدية عرسال على الحجيري ، وتردد أن المسؤول في جبهة النصرة ابو خالد الطبشي قتل أيضا في الكمين .

المعالجة الامنية للحادثين لن تنفع . فبعد نجاح مخابرات الجيش في حل قضية المخطوفين بين البلدتين المعنيتين ، قررت جهة ما أن تصفي حسابا قديما على خلفية تورط هذا وذاك في الحرب السورية ، بحيث تحولت الارض اللبنانية الى ساحة رديفة ، ان لم نقل اساسية في ذلك الصراع . وفي حادثة الاتراك ، بدا واضحا ، ان الدولة غير موجودة على ارضها ، التي تركت لقوى ذات نفوذ وامتداد اقليمي تلعب لعبتها الاستخباراتية ، أيضا وأيضا ، على خلفية تورط حزب الله في معركة انقاذ بشار الاسد .

المعالجة السياسية مطلوبة ولكنها مستحيلة . فالبلد يعيش الفراغ المطلق : السلطتان التنفيذية والتشريعية غائبتان ، وكل ما يبقى هو مؤسسات وأجهزة أمنية تعمل بمبدأ تصريف الاعمال ، فتعالج مشكلة هنا ، وترقع وضعا هناك ، من دون غطاء سياسي فعلي . والاهم ، من دون سياسة أمنية واضحة .

الدعوة التي أطلقها رئيس الجمهورية لاستئناف اجتماعات هيئة الحوار تبدو الفرصة الاخيرة للامساك بوضع البلد . ولكن لالتئامها يلزم موقف وطني موحد باطفاء النار السورية على ارض لبنان ، بعد ان فات أوان التحذير من انتقالها ، لانها انتقلت بالفعل . ويلزم أيضا ، صرخة من المجتمع المدني والهيئات الاهلية وكل القوى الحية هذا البلد ، في وجه القوى السياسية التي تحرق الوطن وتتفرج عليه .

السابق
عرسال: على وزن جريمة جمّو؟
التالي
لماذا يعادون السيستاني؟