ديكتاتورية القيصر بوتين

لم يتجاوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقلية الحرب الباردة. أفاد من فضيحة التجسس الأميركية على العالم. بالغ في المزايدة إذ منح المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي أدوارد سنودن حق اللجوء. حاول أثارة انطباع خاطىء أن روسيا تحوّلت ملاذاً للطامحين الى الحريّة. يأمل أولاً وأخيراً في جذب الإهتمام الى شخصه وصرف الأنظار عن الشؤون الداخلية لبلاده.
لا شك في أن العلاقات الأميركية – الروسية تدهورت الى مستويات دنيا. لم يحصل ذلك فقط بسبب أخطاء الإدارة الأميركية في التعامل مع الكثير من القضايا الدولية. أوحى تجاهل موسكو مطالب البيت الأبيض بتسليم سنودن أن بوتين يستخف أكثر فأكثر برد فعل نظيره الأميركي باراك أوباما. ولكن يبدو أن الكرملين استند الى استياء كثيرين في العالم – وحتى داخل الولايات المتحدة نفسها – مما كشفه سنودن من عمليات تجسس تقوم بها وكالة الأمن القومي على الإتصالات الهاتفية والبريد الأكتروني بذريعة اقتفاء أثر الإرهاب. لم يخف أقرب الحلفاء، في ألمانيا وفرنسا مثلاً، استياءهم. لم يتلاش بعد سخط زعماء دول أميركا الجنوبية من ارغام طائرة الرئيس البوليفي ايفو موراليس على الهبوط بعد الإشتباه في أن سنودن على متنها. كأن شيئاً لم يكن.
كيف ينظر بوتين الى انكفاء الولايات المتحدة في العالم المتغيّر للقرن الحادي والعشرين؟ يرى أن أوباما يركز اهتمامه على الشأن الداخلي. أخرج القوات الأميركية من العراق، بينما يعمل على سحب من تبقى من الجنود من أفغانستان. يكثف غارات طائرات “الدرون” على ناشطي تنظيم “القاعدة” في كل من باكستان واليمن. أعاد بعض الحيوية الى الإقتصاد الأميركي. يعيد رسم خريطة المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في العالم. كرس المزيد من الإهتمام لعلاقات بلاده عبر المحيط الهادىء، محاولاً الاحتفاظ بما لديها عبر المحيط الأطلسي.
غير أن كل هذه الإنشغالات والمناكفات لن تؤدي الى صرف أنظار المسؤولين الأميركيين عما يجري في روسيا. لن ينتهي الأمر بالغاء الرئيس باراك أوباما اجتماع القمة مع “الولد الضجران الذي يجلس في مؤخر صفه”. يقترح السناتور جون ماكين توسيع “لائحة ماغنستكي” الأميركية للمسؤولين الروس الممنوعين من دخول الولايات المتحدة، والتعجيل في نشر نظام الدفاع الصاروخي في أوروبا، وتوسيع حلف شمال الأطلسي بضم جورجيا اليه، وغير ذلك من الإجراءات القارصة التي يمكن الولايات المتحدة والدول الغربية أن تتخذها لمعاقبة روسيا البوتينية.
لن تكون قضية سنودن واجهة لمنازلة أميركية – روسية يسعى اليها بوتين تعويماً لمشروعية سياساته في روسيا. يرجح أن تتزايد الضغوط عليه في القضية الرئيسية التي تشغل بلاده اليوم: حنين بوتين الى “ديكتاتورية القيصر” في الروسيا.
ليس الآن وقت تقديم الحوافز اليه بغية تقليص الدعم لنظام الرئيس بشار الأسد. هذا على الأرجح لن يحصل ولن يكون مجدياً.

السابق
استراتيجيّة السنيورة: تنبيه العدو
التالي
عادات خاطئة عند الرجال!