التسويق لحكومة الأمر الواقع

تتداول أوساط سياسية متابعة للحركة الحكومية التي يقوم بها قصر بعبدا أخباراً تفيد أن سيده رئيس الجمهورية ميشال سليمان قد يُقدِم قريباً، وربما بعد عيد الفطر مباشرة وبالتفاهم التام مع الرئيس المكلف تمام سلام، على تأليف ما اصطلح الاعلام والسياسيون على تسميته منذ نشوب الأزمة الحكومية قبل أشهر بـ”حكومة الأمر الواقع”. ويعني ذلك أن الوزراء الجدد لن يمثِّلوا مباشرة أياً من مكوّنات فريقي 8 و14 آذار، بل سيكونون على مثال الرئيسين المذكورين أي “حياديين” أو “وسطيين”. وهي تستند في أخبارها إلى عملية استمزاج للرأي يجريها سليمان بواسطة عدد من القريبين منه ومن العاملين معه. وتستند أيضاً إلى توقّع مبادرة الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط الذي كان السبب في “وأد” أو في “إجهاض” حكومة الامر الواقع بعد أسبوع من تكليف سلام وفي دفع سليمان إلى عدم الموافقة عليها، مبادرته إلى تغيير موقفه والى قبول ما رفضه سابقاً مع تعهد بالدعم المباشر. ومن شأن ذلك ربما دفع سيد قصر بعبدا الى شرب “حليب السباع” الحكومي. كما تستند أخيراً الى المواقف الحازمة التي أعلنها رئيس الجمهورية من القضايا – الأزمات في البلاد في خطابه لمناسبة عيد الجيش. وكلها تشير الى نهائية ما عاد ممكناً التراجع عنها رغم تحوّلها مادة خلافية حادة بين طرفي الصراع اللبناني وغير اللبناني على تنوع مكونات كل منهما.

هل حكومة “الأمر الواقع” التي تجدَّد الترويج لها ممكنة؟

العارفون بأوضاع البلاد وخلفياتها الخارجية المتشابكة لا يزالون يستبعدون ذلك لأسباب كثيرة. منها ان وليد بك جنبلاط، ورغم الانتقادات المدروسة التي يوجهها أحياناً الى “حزب الله” والتي تستهدف مرات خطابات أمينه العام السيد حسن نصرالله، لن يقدم على كسر الجرة نهائياً معه للأسباب عينها التي كوّع من أجلها بعد “7 أيار”، وخصوصاً بعدما نجح في التفاهم معه على معادلة مهمة تقوم على استمراره في معاداة نظام سوريا ودعم الثورة عليه، وعلى البقاء في “الوسط” سياسياً في لبنان، وعلى الدعوة الدائمة الى الحوار بين “الحزب” وأخصامه، وعلى رفض الإحتكام إلى السلاح في الداخل. ومنها أيضاً عدم “حيادية”(؟) رئيس الجمهورية واستعداده من دون الغطاء الجنبلاطي، ومن معه، إلى الإشتراك في عمل (حكومي) يعرف أن 8 آذار بزعامة “حزب الله” سيرفضه لأنه يعرف انه يستهدفه مباشرة، وذلك بإحلال حكومة غير موالية له وإن تحولت فور تأليفها حكومة تصريف اعمال، مكان “حكومته” وإن كانت في مرحلة التصريف نفسها. ومنها ثالثاً ان الحيادية أو الوسطية لا تقنع كثيراً اللبنانيين بعد اصطفاف غالبيتهم الساحقة مع الأحزاب أو التيارات أو العشائر أو الطوائف أو المذاهب أو المحاور الإقليمية والدولية. ولعل أول من يجب أن يعرف ذلك الرئيس سليمان الذي لُدِغ من “جحر” الوزير المحسوب عليه مرة، والذي لا شيء يمنع أن يُلدغ مرات أخرى من وزراء يظن مع الرئيس المكلَّف أنهم “مثله” حياديون أو وسطيون. ومن الأسباب رابعاً ان سلام وإن كان أقلّ تطرفاً في التعبير عن المواقف من “تيار المستقبل” فإنه كان يحضر اجتماعاته الرسمية وإن بتقطع. فضلاً عن ان من “زكّاه” أو ربما “كلَّفه” لم يكن “التيار” المذكور بل المملكة العربية السعودية مباشرة التي تقود مع إيران الصراع الدامي في المنطقة ومنها لبنان. فهل تكون حكومته “الحيادية” أو “الوسطية” كذلك فعلاً؟ ومنها خامساً وأخيراً ان حكومة كالمشار إليها قد تُقرِّب موعد الانفجار الأمني في البلاد، الذي أخّره قدوم شهر رمضان المبارك ومعه العناية الإلهية، وليس وجود قرارات دولية بمنع انجراره الى القتال والدم كما يعتقد غالبية اهل السياسة في لبنان. طبعاً تساهم تطورات سوريا في تحديد هذا الموعد. لكن هناك اعتبارات اخرى قد تقرّبه، وكذلك جهات اخرى تتقاتل في سوريا وتتقاتل في لبنان وخارجه فضلاً عن اسرائيل. ومن لا يصدِّق هذا الكلام فَلْيرَ بعد “التهدئة” الموقتة لطرابلس كيف عاد التوتر إليها والى البقاع والذي قد يجعل مصير احدى “قلاعه” المؤيدة للثورة السورية مماثلاً للقصير السورية وربما لحمص ولكن بوسيلة اخرى أقل دموية. وهذه موضوعات قد نعود اليها غداً.

طبعاً لا يعني كل الكلام المفصَّل أعلاه أن رفض جنبلاط حكومة الأمر الواقع نهائي إذ إنَ “التغيير” جزء من طبعه. لكن على المراهنين على ذلك ان يتذكروا أنه لا يختلف مع بري الرافض حكومة كهذه.

ولا يعني الكلام نفسه أننا مع حكومة تضم الجميع لأن “الواقع” السياسي المحلي والاقليمي لا يسهِّل ذلك.

السابق
معلومات: الجيش السوري النظامي مخترق ولا يقاتل
التالي
7 آب 2013: هرمنا