فاتن جوني: جرأة تتجاوز فقدان البصر

فاتن جوني: جرأة تتجاوز فقدان البصر

تقرأ بأصابعها ما لا نعرف أن نقرأه. تكتب أشعاراً وتلعب على آلة الأورغ. وتحقّق إحدى المراتب الأولى في الامتحانات الرسميّة. فاتن جوني (18 عاماً) حصلت على المرتبة الخامسة في لبنان في شهادة الثانوية العامة (فرع الاجتماع والإقتصاد) بتقدير جيد جداً، ومجموع (450/530) بالرغم من أنها مكفوفة.
درست وثابرت وأمضت نهارات وليالي في التحضير للامتحانات. توتّرت وبحثت عن كتب ومراجع. ساعدها الأهل وشجّعها الأصدقاء لتنجح وتتميّز. «توتّرتُ قبل الامتحانات، لكنني كنت واثقة من أنني سأحقّق نتيجة مميّزة بسبب مثابرتي على الدرس خلال العام الدراسي»، تقول جوني بفرح وحماسة وثبات.  تحبّ جوني اللغات وعلوم الفلسفة والاجتماع والنفس، ولديها حشرية في التعمّق بفهم الإنسان وعوالمه. تنوي التخصص في الترجمة والتعريب، وتتمنى أن تحصل على منحة دراسيّة لمتابعة دراستها.
لا ينتبه المرء، أثناء الحديث، إلى أن جوني مكفوفة. فكأنها بشجاعتها وجرأتها تملأ الفراغ الذي يتركه فقدان البصر، فتنير البصيرة ما أعتمه فقدان البصر. تتكلّم بوضوح عن طموحاتها وأهدافها، «أنا طموحة، وأريد أن أحقّق ذاتي وأهدافي. أرغب في أن أساعد المكفوفين في المستقبل وأشجعهم على المضي قدماً من دون خوف»، تردّد جوني تلك العبارة أكثر من مرة، وكأنها تدرك أن تفوقها أمثولة للآخرين. تقول: «من يثابر يصل».
لم تكن تستطيع رؤية التجارب المخبرية في الكيمياء والعلوم الطبيعية ومشاهدة الصور المرفقة للتوضيح غير أنها كانت تتخيّل التجارب المخبرية  وإجراءاتها ومدلولات الصور. أبدى بعض الرفاق في الصف انزعاجهم من صوت آلة الـ«بريل» التي تستخدمها جوني للكتابة، بينما شجّعها رفاق آخرون على تحقيق هدفها، ووجد الأساتذة في «ثانوية حسام الدين الحريري» أن لديها طاقة وذكاء.
تلاحظ جوني نقصاً في التجهيزات التي تساعد المكفوفين في الدمج الدراسي، غير أنها تلامس تطوراً في شأن نظرة المجتمع إلى المكفوف، إذ أصبح البعض يقدّر طاقاته وإبداعاته.
تبدع جوني في الكتابة. تتخيّل حوارات بين حبيبين فتكتب قصصاً ومسرحيات وشعراً. «عد إلينا يا شتاء وأملأ الدنيا بالنقاء. عد وأعد للأرض روحها وكُن بلسماً للشوارع وجروحها، أحببتك يا شتاء وسأحبك طول البقاء».
تكتب جوني عن الشتاء والوطن والحبّ غير أنها تؤجّل تجربة الحب، «بعد بكير». من جهة أخرى، تعزف، منذ صغرها، ألحاناً شرقية على آلة الأورغ إذ تجد في الموسيقى أملاً وحياة. تقول: «كلّ الحياة موسيقى».
الحياة موسيقى، وعلم وعمل فينشغل بال جوني على إمكان إيجاد فرصة عمل في المستقبل، خصوصاً في ظلّ تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتفاقم البطالة.
«تفلفش» جوني أوراقها، أوراقاً دراسيّة وأشعاراً وكتابات. لا ترى الأوراق لكنها تخبّئ فيها قصصاً وتفاؤلاً وإصراراً على النجاح، فتنجح في رؤية ما لا يدركه البعض: الطموح وحب العلم، والأمل.

السابق
الجيش: طائرة معادية خرقت الأجواء الجنوبية
التالي
مقتل جنديين وجرح 6 بهجمات على مراكز أمنية شمال سيناء