لم تكن لدينا ديمقراطية قط

يُسمع الكثير من الندب للديمقراطية في الايام الاخيرة عقب سن قانون الحاكمية. وهناك سبب للندب لأن هذا في الحقيقة قانون سيئ وخطير. لكن كي يموت شيء يجب ان يعيش قبل ذلك. فهل كانت ديمقراطية في اسرائيل قبل قانون الحاكمية؟ والجواب لا.
لم تكن اسرائيل دولة ديمقراطية طول سنيها الـ65: فمنذ كان انشاؤها الى 1966 جرى تطبيق الحكم العسكري على البلدات العربية في داخلها. ومنذ كان احتلال الضفة والقطاع في 1967 الى اليوم تحكم اسرائيل أكثر من مليون فلسطيني يعيشون فيهما وهم سكان يقعون تحت الاحتلال يُسلبون الحريات والحقوق الأساسية.
إن ما وجد هنا هو وهم ديمقراطية أو ديمقراطية لليهود فقط وهذا التعبير تناقض يُبطل أصلا حقيقة التعريف. وهذا أحد الأوهام الذي نشأ كثير منا نحن الاسرائيليين عليه. ليس من السهل ان نتبين الى أي حد تُشرب التربية والحياة هنا بالتحريف، بحيث يُظهر حك طفيف للسطح أن ذلك ليس سوى غشاءٍ على واقع مختلف تماما. ويتبين ذلك لعدد منا في سن مبكرة، ويتبين لآخرين بعد ذلك، وهناك من لا يتبين لهم ذلك أبدا، بل ربما يفضلون عدم معرفة ذلك.
بين الامثلة البارزة حكايات كاذبة مثل ‘استنبات القفر’ أو مقولة ‘ارض بلا شعب لشعب بلا ارض’ وهذه مصطلحات أساسية في الصهيونية تعبر عن التصور الذي تجاهل سكان البلاد. وكذلك ايضا ‘عمل عبري’: وهو طموح يهود استوطنوا البلاد الى العمل بأيديهم وألا يكونوا أسيادا لآخرين، ويُرى انه ايجابي الى ان ندرك انه كان مصحوبا باقصاء العرب من أبناء البلاد عن العمل. وهناك ظاهرة اخرى تُجل وهي احياء اللغة العبرية. وهذه في الحقيقة أعجوبة مباركة من جهة، لكنها من جهة اخرى تمت بابعاد لغات كثيرة اخرى وثقافات ايضا في عنف أكثر من مرة ايضا. ويبدو هذا أقل بهجة.
وتوجد ايضا كليشيهات مثل ‘يدنا ممدودة للسلام’، كما اعتاد الساسة أن يقولوا، في حين كانوا يشحذون السيوف. وكان ذلك باساليب شتى وكذلك الحال اليوم ايضا بمساعدة شعارات مثل ‘لا يوجد شريك’. ولا ينبغي ان ننسى بالطبع ‘الجيش الأكثر اخلاقية في العالم’. وهو نفس الجيش الذي احتجز للتحقيق في الآونة الاخيرة ولدا في الخامسة من عمره، والذي تنوي الدولة كي توفر عليه الوقت والموارد ان تُجلي 1300 فلسطيني عن بيوتهم في جنوب جبل الخليل.
هذه أفكار مقلقة. فهل كل ما تربينا عليه أو أكثره على الأقل خطأ؟ وما معنى ذلك؟ أولا تضعضع هذه الاسئلة وجودنا هنا؟ اذا كان الوجود هنا يجب ان يكون قائما على قوة الذراع وعلى إبعاد الآخرين وعلى القومية والشوفينية والعسكرية، فان الجواب نعم. لكن هل الامر كذلك حقا؟
كان في تاريخ الصهيونية ايضا خيارات تختلف عن خيار استعمال القوة البن غوريوني. فعلى سبيل المثال وكما بيّن ذلك في الآونة الاخيرة البروفيسوران تسفي بن دور وموشيه بهار في كتابهما ‘الفكر اليهودي الشرق اوسطي الحديث’، حذر مفكرون شرقيون في مطلع القرن الماضي من استكبار اوروبي على سكان البلاد ودعوا الى حوار محترِم معهم لكن كلامهم وقع على آذان صماء. واقترح ‘حلف السلام’ الذي قال به هوغو بيرغمان وغرشوم شالوم في ثلاثينيات القرن الماضي طريقا آخر لكن عبثا.
لم تكن الدولة التي نشأت هنا آخر الامر، رغم ادعائها ‘الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط’. ويبدو ان الشرط الاول لاصلاح حقيقي اذا كان ما زال ممكنا هو الاعتراف بأننا لم نفقد الديمقراطية الآن لأنها لم تسكن هنا قط.

السابق
حرب الأمريكان قبل حرب الإخوان
التالي
مقتدى الصدر قرر اعتزال الحياة السياسية