خطابان.. للجولة المقبلة

يوم جمعة ثقيل. يوم يؤسس إلى أيام أثقل. أيام لن يكون فيها أمين عام حزب الله حسن نصر الله خطيباً في مجمّع سيّد الشهداء، ولن يكون سعد الحريري على شاشة عملاقة يلوّح لمن هم هنا في لبنان. الأيام المقبلة بعد الخطابين، لن يكون فيها سوى ثقل الكراهية المنتشرة من أقصى المستقبل إلى أقصى الحزب. كراهية لن تذهب إلى فلسطين، ولن ترضى بالدولة ومدنيّتها.

يوم، بدأ بصفة نصر الله الشيعي وانتهى بصفة الحريري السنّي المدني. الفارق بين الإثنين، أن الأوّل يقول ما يريده ويستطيع فعله، أمّا الثاني فهو يردد ما يقوله دائماً ولن يستطيع يوماً فعله. والحال هذه، مع الثاني تحديداً، أقل وطأة وأهون بكثير من حال الأوّل الذي يذهب بما تبقى من لبنانيين إلى حيث شاء ويشاء، من دون سؤال. يُكلّف وهو الذي لا يُرفض له تكليف. الفارق، أن الأوّل يأخذ الثاني معه، والأخير يعتقد أنه يقاوم ويمانع ويواجه انقضاض الأوّل على معاقله، ومعاقل الدولة الباقية.

غداً لن يكون يوم آخر. قيل الكثير الذي يكفي كي لا يكون الآتي هادئاً أو عادياً. نصرالله الإثني عشري لسان حاله كلسان حال شارعه. دقائق طويلة يتحدث بصفته الشيعية إلى جمهور شيعي، مُعظمه لا يحتاج إلى الكثير ليرفع جدران الفصل بينه وبين أي مختلف عنه. والحريري، بخطاب لا لون له ولا طعم، سوى استعادة ماض لن يعيد إليه جمهوره المُشتت بين مدنية ضعيفة، وطائفية تُشعره بوجوده أمام خصمه التاريخي.

قطبا الساحة والشارع، حضرا ليعيدا خلط الأوراق من جديد. الجمعة، من الضاحية إلى المنفى، كان واضحاً أن كل حديث عن تسوية قريبة ذهبت أدراج الرياح. لا إيران بلسان ممثلها نطقت هدوءاً واستقراراً، ولا السعودية بلسان حليفها الأوّل أوحت وكأنها عادت إلى حرصها على تحييد لبنان عمّا يجري في سوريا. قد يكون سقط كل حديث عن حماية هذه الجغرافيا الصغيرة، بالرغم من كل مشاعر التحاور الفضفاضة التي عُبّر عنها شفهياً، وهي وللمرة الألف، لن تُصرف في أي مكان.

كريم شهر رمضان حين يجمع بين خطاب شيعي قبل الإفطار، وشبه سنّي بعده. لكن، وبقاء مع إيران والسعودية، هناك ما يدعو إلى التساؤل. غرابة ليست في كلام الحريري الذي في النهاية قال بالحوار وما إلى ذلك من سبل الهروب من مأزق الاقتتال ولو صورياً. الغرابة في ما نطق به نصرالله باسم الامتداد الشيعي الذي يُمثله، وعاصمته طهران. هنا، قد يكون الوقت للحديث عن العلاقة الملتبسة مع الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني. نصرالله يأخذ روحاني إلى ملعبه مثلاً. نصرالله يُعبر عن توجه ليس في حسابات ديبلوماسية الرئيس الجديد للجمهورية الإسلامية!

إلى الآن، لم يوح روحاني بأي شيء للحزب. رسالته إلى الأمين العام ليست أكثر من بروتوكول. هذا الكلام لا يعني أن حزب الله يُقرر السياسة في المنطقة، بقدر ما يُعبر عن خوف الحزب مما هو آت. وهذا الكلام، يُعبر في مكان ما أيضاً عن خطورة ما قد نذهب إليه، إن كانت مواجهة الرئيس الجديد ستنطلق من لبنان، وإن كانت حرب فرض التوجه الإيراني القديم ستكون في لبنان. وهذا، قد يفتح الباب أمام دخولنا من جديد إلى لعبة الموت في ساحات الصراع الإقليمي، داخل الإقليم وبينه وبين خصومه.

كل ما قاله الحريري ليس نقطة في بحر ما أوحى به نصرالله، ليس نقطة في بحر رسالته الصامتة إلى رئيس البلاد. الأوّل، وإن عاد ليؤكد وقوفه مع ميشال سليمان بغض النظر عن جهله لكيفية دعم الرئيس، أهون بكثير من الثاني الذي قال، بصمته، ألّا رئاسة في البلاد إن لم تكن على مقاس متطلباته.

في المجمل، لا شيء يوحي بالهدوء. والتسوية الموعودة، قد تنتظر طويلاً، أقلّه لما بعد جولة ليست ككل الجولات.

السابق
صواريخ حقيقية في مقابل الرئاسية
التالي
محاولة إغتيال رئيس الأركان الليبي السابق