القيم والتراث وراء التفاوض

يوجد مكان لقلق حقيقي في ايام التفاوض هذه. ويؤسفني أنني لا أشارك في فرض ان أبو مازن ورفاقه سيقومون بالعمل لأجلنا ويُظهرون عنادا ورفضا، وأن محاولة امريكية اخرى لتسجيل نجاح سياسي على ظهورنا ستُلقى في مزبلة التاريخ. إن محاولات كثيرة كهذه جبت منا ثمنا باهظا من الدماء. إن التصميم الامريكي على التوصل الى انجاز عظيم، لأن مكانتهم في العالم في الحضيض، وعرف أبو مازن ورفاقه نقاط ضعف المجتمع الاسرائيلي بواسطة خبراء منا يشيرون عليهم، ويوجد في المجتمع الاسرائيلي عناصر يريدون انشاء جو تعب وضعف.
إن كل من يعتقد ان فكرة استفتاء الشعب يمكن ان تكون سورا واقيا وجدارا حديديا يقيان من تنازلات، مبالغ فيها في ارض الوطن، مخطئ. فلو أن سيدنا موسى استفتى الشعب هل يدخل ارض اسرائيل بعد انقضاء التيه في الصحراء فانني على يقين من ان أكثر الشعب وفيه رؤساء الأمة كان سيُفرحهم البقاء في الصحراء والأكل من السماء بلا عمل والحصول على مظلة أمن بواسطة ‘عمود السحاب’ و’عمود النار’. ولو ان دافيد بن غوريون استفتى الشعب، هل يعلن انشاء دولة اسرائيل على علم بأنه ستنشب بعد الاستفتاء حرب قاسية تكلف آلاف القتلى، لاقترح أكثر الشعب الانتظار.
ولو ان اريك شارون استفتى الشعب في تسليم غوش قطيف فانه لا يخالجني شك في ان أكثر مواطني اسرائيل آنذاك كانوا سيختارون الاعادة عن وهم السلام القريب. لكن اليهود لا يملكون مثل هذا الترف. لقد بقينا شعبا صغيرا في خطر دائم وعمل القيادة المنتخبة ان تتخذ قراراتها بحسب رؤيتها وايمانها بما هو صحيح للجمهور، لا بحسب ما يعتقد الجمهور في لحظة ما أنه يريده.
يجب على اليمين الاسرائيلي الذي يقود الدولة منذ سنين كثيرة ان يُبين للجمهور سريعا وعلى عجل الجوانب التاريخية والقومية لتمسكنا بأرض آبائنا والحاجة الامنية الى السيطرة على مناطق يهودا والسامرة. وقد نسينا لكثرة الانشغال بأسعار الشقق وجبن الكوتج أن العودة الى ارض اسرائيل هي عودة اليهود الى التاريخ مع المسؤولية الضخمة التي تصاحب ذلك.
إن أخذنا مصيرنا بأيدينا يعني أن نُقوي الأسس السليمة لأبناء أمتنا العظيمة، وأن نعلم أننا ولدنا هنا ولن يزحزحنا أحد من هنا، وأنه لا وجود للجسم بلا القلب. وقلب الأمة اليهودية هو القدس وبيت لحم والخليل، والذي يتخلى عن القلب يتخلى عن الجسم كله.
سمعت في الآونة الاخيرة في تأثر الأغنية الرائعة لعمير بنيون ‘في تواضع وافتخار’. إن عمير واحد من المبدعين اليهود الكبار وهو يقف منذ سنين على الباب ويُسمع صوت الايمان والأمل في أبدية اسرائيل. إن أغنيته المدهشة عن مناحيم بيغن تُذكر بنظرية الزعيم العظيم الذي علمنا ما هي التضحية والصلة بصهيون والقدس وحب اليهود في الأساس.
من المهم في هذه الايام ان نردد تراثه وايمانه العظيم بشعب اسرائيل وبقدرة الشعب اليهودي على النهوض بكل مهمة وكل تحدٍ بشرط أن يجعلوا أمامه رؤية حقيقية. إن أكثر الجمهور الذي لا يُسمع صوته يحب ارض آبائه ويرتبط بها من أعماق نفسه، ويدرك أهميتها ويتوقع من القيادة أن تقول له إنه ليس مخطئا في ذلك.

السابق
روحاني حاول النأي بنفسه
التالي
حرب الأمريكان قبل حرب الإخوان