في خطابي الرئيسين

حين تندلع الحروب تنعدم السيناريوات والتكهّنات، ما خلا العسكريّ والاستخباراتيّ منها. رأينا ذلك قبل يومين في مناسبتين رئاسيّتين سوريّة ولبنانيّة:
فالرئيس بشّار الأسد أعدم كلّ مساحة للخيال حين وقف فوق أنقاض بلد قام بتدميره وأعلن النصر المؤزّر. والذين أطلقوا الصواريخ بُعيد خطاب الرئيس ميشال سليمان لم يتركوا، بدورهم، مساحة للخيال والتأمّل، معلنين أنّ ديانة توازن القوى و»إرسال الرسائل المباشرة» تعلو كلّ ديانة أخرى.
والحال أنّ خطاب سليمان كان وحده الحدث الذي يفسح في المجال للتأمّل. فالرئيس غير المعروف أصلاً بالمواقف الحادّة والقاطعة، وجد نفسه مدعوّاً للقيام بما تجنّب القيام به طويلاً، أي الدفاع عمّا أقسم بالدفاع عنه. وهذا لم يعد خياراً اختياريّاً، بل أضحى، في الظرف الراهن، خياراً إجباريّاً. ذاك أنّ لبنان بات اليوم مهدّداً بمقاطعة أوروبيّة بعد المقاطعة العربيّة. اقتصاده في غاية التردّي، وحكومته مستحيلة التشكيل، وبرلمانه ممدّد له، وأمنه سائب في ظلّ انتشار السلاح، وسياسته الخارجيّة مزدوجة، ليس فقط بسبب التورّط في الحرب السوريّة بل أيضاً بسبب الازدواج الذي تمثّله وزارة الخارجيّة ومواقف وزيرها.
هكذا انهارت وتنهار مقوّمات الوطن والدولة، والرئاسة طبعاً واستطراداً، الواحد بعد الآخر.
لقد بات الإجماع المصطنع، الذي تصيغه فذلكة «الجيش والشعب والمقاومة»، معطّلاً لكلّ شيء، أي للبلد ذاته. وعقدة العقد هنا سلاح «حزب الله» الذي تمدّد وتمدّدت مفاعيله إلى الداخل السوريّ نفسه، واستنطق، ولا يزال يستنطق، ردوداً تكمل هدم بناء البلد الذي يرأس جمهوريّته ميشال سليمان.
وإذا كان «حبّ الجيش» عبارة فولكلوريّة وإنشائيّة يردّدها الجميع من غير أن تكلّف شيئاً، بقي أنّ المعنى السياسيّ الإيجابيّ الذي قد يترتّب على هذا «الحبّ» هو جعله الطرف الوحيد الذي يحتكر أدوات العنف، وإسباغ الشرعيّة على عنفه وحده دون سواه.
وبما أنّ السياسيّ المسؤول هو من يقتنص الفرص، بدا من الطبيعيّ اقتناص فرصة العجز الخارجيّ، أي السوريّ، عن التخريب في لبنان. فنظام الأسد، الصانع الدائم للتخريب، أو الداعم الثابت له، مشغول بحربه التي يسمّيها انتصاراته! وبطبيعة الحال، وفي موازاة ذلك، تؤول الأمور في لبنان إلى توسيع الرغبة الشعبيّة في الخلاص، بغضّ النظر عن الطرف الذي قد يحمل هذا الخلاص.
أبعد من ذلك أنّه حين يقول ميشال سليمان، غير المعروف بالمواقف الحادّة، ما قاله، فهذا ما ينبغي أن يحضّ «حزب الله» على التفكير، ولو مرّة واحدة، بعيداً عن لغة «المراجل» الضيعويّة والتعالي المؤسّس على الصواريخ. وهذا ليس مصدره أنّ سليمان يملك صواريخ تفوق ما يملكه الحزب، بل مصدره بالتحديد أنّه لا يملكها.
لقد جاء خطاب سليمان على النحو الذي جاء عليه كي لا نصل إلى يوم يتحدّث فيه الرئيس اللبنانيّ كما تحدّث الرئيس السوريّ، واقفاً فوق أكوام الجثث يعلن الانتصار.

السابق
من المسؤول عن ضحايا المفرقعات امام مبنى النهار؟
التالي
«وشم»من عيون بيروت إلى روابي صيدا