ظاهرة الأسير: هل انتهت؟

احمد الاسير في إحدى اعتصاماته في صيدا

بحلول شهر رمضان هذا العام، يكون انقضى عامان على بداية حركة الشيخ أحمد الأسير ونهايتها. ففي شهر رمضان عام 2011، دعا الأسير للمرّة الأولى إلى نشاط سياسي تمثل باعتصام شعبي دعماً للمعارضة السورية، وكرّت سبحة تحركاته التي تميزت بخطاب مذهبي تعصبي ووصل إلى الذروة عندما اختار العنف وسيلة لتحقيق أهدافه، فكانت نهاية حركته. فما هي آراء البعض حول تحركاته وخطابه السياسي:

خطابه لا يتناسب مع البيئة

ينفي رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي عن الشيخ أحمد الأسير صفة الظاهرة الاجتماعية، ويرى فيه شخصاً حاول أن يقدم خطاباً لا يتناسب مع البيئة، والمستغرب خطابه ضد الشيعة، مع أن أمه شيعية من صور. ويضيف السعودي: أرجو أن يكون ما حصل مؤخراً إقفالاً للأزمة التي شهدتها المدينة منذ أكثر من عام، منذ قطع الأسير الطريق، وكان ذلك بمثابة مصيبة على أهل صيدا والجوار، صيدا المدينة التي لا تعرف المذهبية، وهي مدينة التنوع. وهي مدينة لا تستطيع العيش بدون الجوار.

ويبدي السعودي تخوفه من الوراثة، “المصيبة إذا أقدم شيخ آخر على وراثة الأسير وحاول إكمال ما بدأه الأسير”.

وعن سبل المعالجة، يشير السعودي إلى الحركة اليومية التي يجب أن تنشأ بين صيدا والجوار، “ما قمنا به من لقاءات شبه يومية مع الجوار يشكل بداية معالجة للأثار التي تركتها حركة الأسير. لأن خطابه المذهبي سيجعل صيدا الخاسر الأكبر، ولا نستطيع العيش بدون الجوار”.

العنف غير مبرر من أية جهة حصل

ويقول مصدر إسلامي مطلع رفض ذكر اسمه: لقد استغل الأسير أخطاء ومواقف الآخرين، ودغدغ عواطف الناس، لقد استغل طيبة قلب أهالي صيدا، وهي مدينة لم تكن يوماً مذهبية، ولم تعتد على هذه النغمة في يوم من الأيام، لذلك أعتقد أنه ليس ظاهرة صيداوية، بل هو تعبير عن وضع سيء جداً، والإنسان المتديّن لا يمكن أن يرعى أو يوافق على تقاتل بين السنّة والشيعة.

ويقف المصدر الإسلامي المطلع موقفاً سلبياً من العنف “من أية جهة أتى، “فالعنف غير مبرر وخصوصاً أن حجم الأضرار الحاصل يعني أن هناك استخدام للقوة المفرطة وأنا ضده كما أني ضد استخدام الناس دروعاً مدنية”. ويرى المصدر صعوبة في تكرار ما حصل “إذا سيطر خطاب الاعتدال وحورب التطرف”.

وعن الشروط لعدم تكرار تجربة الأسير، يشير المصدر إلى مسؤولية الفريق الآخر. ويضيف: إذا استمر الطرف الآخر بالاستعلاء، فإن ذلك سيهيأ الظروف لنشوء تيار أسيري آخر. وخير مثال على ذلك إذا أخذنا سرايا المقاومة كمثل فقد جمع فيها الأوباش والزعران. وإذا استمرت هذه السياسة ستظهر بوادر أخرى بديلة عن الأسير، وعلى الرغم من الإشارة إلى أن المجتمع الصيداوي يرفض التطرف. يصمت المصدر الإسلامي لحظة، ويضيف: أعتقد أننا بحاجة إلى تسوية بين كل المكونات الاجتماعية في لبنان، لأن التسوية ستجعل من خطاب الاعتدال سيد الموقف.

التعاطي الرسمي أمني فحسب

ويصف الناشط الاجتماعي ماجد حمتو حالة الأسير بأنها “تصغير للحالة الطائفية – المذهبية ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة العربية، لذلك فالأسير يعبّر عن ظاهرة على مستوى لبنان. وعن سبل المعالجة يشير حمتو إلى أن السياسة الرسمية تتعاطى رسمياً مع الأسير من منطلق أمني فحسب، فهي لم تعالج الأسباب التي أدت إلى بروز الظاهرة، وهي ظاهرة مصطنعة ممولة من الخارج جرى وضعها واستغلالها وفق أجندة خارجية لها مهمة وعندما استنفدت نفذ قرار إنهائها.

ويرى حمتو أن مدينة صيدا أعلنت موقفها المعادي للأسير، مما يطرح أهمية وضرورية العمل لإيجاد حل لمنع تكرار هذه الحالة ووضعها في خدمة الدولة التي عليها وحدها تقع مسؤولية مواجهة ظاهرة الأسير ومعالجتها.

ظاهرة برز الأسير فيها

ويرى الناشط محي الدين جويدي في حركة الأسير ظاهرة جديرة بالنقاش، “الظاهرة موجودة برز فيها الأسير مسيِّراً لها”، وعن أسباب الظاهرة يوضح جويدي: “منذ فترة شهدنا نهوضاً إسلامياً، قسم جهادي وقسم دعوة إسلامية، والأسير أساساً مارس الدعوة الإسلامية، لكن الموضوع السوري صار حاضراً على الطاولة مما أثر سلبياً على الاحتقان التاريخي بين السنّة والشيعة. كما أن الأجواء العامة تبرز تقدم الإسلاميين نحو السلطة في عدد من البلدان”.

ويضيف: رداً على بعض التصرفات من أطراف مسلحة، مارس الأسير وتجمعه سياسات تتعدى أكثر من الدعوة ودفع مجموعته إلى التزام الطريق الخاطئ بدءاً من قطع الطرقات، انتهاءاً بالتسلح وتوسل العنف إلاّ أن صيدا كان موقفها واضحاً ضد هذه التصرفات وهذا الاتجاه رفض منذ البداية.

وحول سبل المعالجة، يشير جويدي إلى أن المعالجة التي تمت للظواهر الخاطئة التي يرفضها المجتمع كانت معالجة جدية، لكن الطريقة التي سارت بها المعالجات بحكم الوقائع طريقة ملتبسة مما يدفعنا للخوف من ذهاب الشباب إلى التطرف. وحالياً أعتقد ان المطلوب الأساس عدم الاحتضان المخابراتي وعدم تضخيم الإعلام لهذه الظاهرة. وعلى الرغم من هذا الأمر فإن ما حدث قد حدث، والآن لا بد من محاولة المعالجة مجدداً باتجاه نبذ التطرف والاحتقان المذهبي والتسلح غير الشرعي. وأعتقد أنها الطريق الوحيد لإعادة الأمور إلى نصابها وحماية منطقة صيدا وضواحيها من تداعيات المنطقة وتخفيف وطأة وسلبية الظاهرة.

وحول تكرار الظاهرة، يرى جويدي إمكانية تكرارها إذا بقي الحال على ما هو عليه “وما يمنع التكرار، “أن تكون لدينا دولة قادرة وتكون المرجع الوحيد لكل الناس، إذا تحرك المجتمع المدني باتجاه تنفيذ خطة توعية ومحاولة دمج الشباب من كل الطوائف والمذاهب بحوار مستمر وعلاقات مستمرة ومبرمجة، والطلب من وسائل الإعلام عدم تكبير الأحداث الصغيرة. والدفع نحو حوار حقيقي بين مكونات البلد المجتمعية. وأهمية وجود ديمقراطية حقيقية خارج ديمقراطية السلاح.

اعتبارات الوطنية وجهات نظر

ولا يرى الدكتور في الجامعة اللبنانية فؤاد خليل في تحرك الأسير، تحرك فردي معزول، ويعتقد خليل “حركة الأسير ليست حركة فردية، ليست حركة كاريكاتورية بل حركة لها عمق سياسي ووظيفة محددة، إذ تعمق التمزق في البلد وتوجد مناخ مؤاتي للراعي الإقليمي للظاهرة. ويضيف: لكل تحرك أساس اجتماعي سياسي، والبيئة التي عمل فيها الأسير قابلة لكل الخطاب السياسي الذي طرحه مما أدى إلى احتضان جدي من البيئة الاجتماعية له ولمجموعته؟ ويؤكد خليل وجهة نظره بالإشارة إلى “كان له انتشار في أوساط اجتماعية مختلفة من شباب وتجار، رجال أعمال وجميعهم غلّبوا السياسي على الاجتماعي وكان خطابه التحريضي يقع ضمن الأفق السياسي الموجود وقائم على قواعد طوائفية سائدة.

وحول معالجة مثل هذه الظاهرات، يرى خليل: أن هذه القوى تحمل خطاباً إقصائياً نبذياً للآخر، خطاب مذهبي احتقاني، ومع هذه القوى فإن الحوار والنقاش لا يصل إلى مكان، لأن مساحتهم مقفلة وبالتالي لا يمكن الوصول معهم إلى مساحة مشتركة، وإذا كانت السياسة هي فن التسويات فإن هذه القوى تبقى خارج السياسة الممكنة.

ويشير خليل إلى أن المعالجة يجب أن تهتم بتجفيف منابع الدعم، “إن عمل مثل هذه المجموعة بحاجة إلى تمويل، وتجفيف مصادر الدعم يعني إقفال طريق أساسي من طرق تطورها، كذلك العمل على رفع الغطاء الإقليمي والمحلي عنها”. وعن تكرار التجربة يخشى خليل أن ما قد يحصل قد يكون أخطر بكثير من ظاهرة الأسير. فالخلاف بين المكونات المجتمعية الأساسية عميق جداً والثوابت الكبيرة والخيارات الوطنية أصبحت وجهات نظر، مما عمق من أزمة النظام السياسي الطائفي وأقفلت الأبواب أمام خياراته وجرى تطييف كل خيار من خيارات بناء الدولة وصار لكل طائفة عنوانها لكل خيار وتفصيلها لطبيعته، وهذا الوضع سيؤدي إلى تكرار ظهور مثل هذه الظاهرات ولا أفق بحلها بشكل جذري إذا لم يتم الاتفاق على الخيارات والثوابت الكبيرة من خلال موقع وطني لا طائفي.

السابق
تورط إخوان مصر بأعمال تعذيب
التالي
أول عملية إستشهادية في سوريا ينفذها لبناني