تدبير لا بديل عنه

الجدل الذي أثاره موضوع التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي شغل الأوساط السياسية إلى أن رسمت الخاتمة المناسبة عشية عيد الجيش ولعلها مناسبة للإشارة إلى ما بينته الأحداث اللبنانية منذ العام 2005 وحتى اليوم وتحديداً في العامين الأخيرين من أن المؤسسة العسكرية الوطنية هي الضمانة الرئيسية لحماية الحد الأدنى من الاستقرار والسلم الأهلي المهدّدين بالانقسام السياسي الخطير وخصوصاً في ظل المغامرات التي يقدم عليها فريق «14 آذار» بقيادة «تيار المستقبل» الذي قاد مقامرة كبيرة وخطيرة سياسياً وأمنياً من خلال حماية ودعم حالة مسلحة شارك فيها أنصار الحريري مباشرة مع جماعات تكفيرية لبنانية ومتعددة الجنسيات وبفعل تورط هذا الفريق في الحرب العدوانية على سورية ومحاولاته المتكررة لإثارة الفتن في الداخل واستمرار الحماية التي يقدمها لأوكار الإرهاب والتكفير على الأرض اللبنانية.
وليس غريباً أن تصدر عن هذا الفريق حملة الافتراءات التي تستهدف الجيش اللبناني وتنطوي على محاولة مكشوفة ومسعورة للنيل من هيبة المؤسسة العسكرية ومن تماسكها وهو ما ظهر بصورة سافرة خلال أحداث عبرا وما تبعها من حملات لبنانية قادها الرئيس فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري لتبرير جرائم موصوفة ارتكبت ضد ضباط وجنود الجيش اللبناني في وضح النهار.
خلال هذين العامين تحركت قيادة الجيش اللبناني أكثر من مرة لحماية الأمن والاستقرار على الرغم من حرمانها من الغطاء السياسي الفعلي والجدي بفضل رخاوة الموقف الرسمي والتي بلغت حد مسايرة بعض المسؤولين لجماعات التكفير والإرهاب ورموزها بفعل وقوع هؤلاء المسؤولين تحت ضغط وابتزاز «تيار المستقبل» وبعض الدول العربية الداعمة للحرب ضد سورية والمتورطة مباشرة بتمويل وتسليح تلك الجماعات داخل لبنان.
الحكمة التي تميزت بها قيادة الجيش اللبناني أخذت في الاعتبار جميع التعقيدات الداخلية وتصرفت بالحجم المطلوب عند الضرورة رافضة فكرة الأمن بالتراضي التي سعت الجماعات السياسية والميليشياوية الداعية إلى الفتنة لفرضها وهو ما عبّرت عنه الدعوات «لفك اشتباك» بين الإرهابيين والجيش اللبناني خلال معارك «عبرا».
ويمكن القول إن العماد جان قهوجي نجح في حماية البلد من مطبات وأفخاخ كثيرة نتيجة طريقة تعامله مع الأحداث وبفضل التماسك والصلابة اللذين أظهرهما الجيش اللبناني بضباطه وجنوده والتضحيات الكبيرة التي قدمها العسكريون في سبيل حملة الاستقرار الوطني ومنع انزلاق البلاد إلى حالة من الفوضى والاضطراب التي تنذر بتدهور خطير وما يطرح أحياناً من انتقادات حول تأخر خطوات قيادة الجيش مردود أصلاً إلى تخلف الأداء السياسي للمؤسسات المعنية عن مواكبة الجيش في أدائه لمهماته الوطنية واستمرار التغطيات السياسية الممنوحة للجماعات الإرهابية المسلحة التي تهدد الأمن الوطني وهو ما يعقد مهمة الجيش اللبناني في معالجة الأحداث والاضطرابات كما يجري في طرابلس حيث أن جولات العنف المتكررة تقتضي تفكيك المربعات الأمنية والبؤر الميليشياوية وهذا ما يتطلب قراراً سياسياً يطلق يد الجيش في الميدان ويلاقي الإرادة الشعبية الواضحة حيث لا يثق اللبنانيون بتوافر الأمن إلا عبر إحكام قبضة المؤسسة الوطنية.
المعيار السياسي لتمديد ولاية العماد قهوجي هو نتيجة للواقع الدستوري والسياسي الذي تعيش فيه البلاد وهو تدبير غير طبيعي كما وصفه العماد ميشال عون ولكنه تدبير لا بديل عنه واقعياً في الظروف الراهنة حيث لا مجال لفتح باب التعيينات في ظل حكومة تصريف الأعمال والجهات التي تعطل تشكيل الحكومة الجديدة هي نفسها التي تعطل جلسات مجلس النواب مما فرض اختيار مخرج إداري وقانوني يؤمن استمرار المؤسسة العسكرية في عملها بقيادة العماد قهوجي والواضح أن هذا المسار أخرج الموضوع من بازار الحصص التي اقترحها تيار «المستقبل» عبر وضع ملف العماد قهوجي مقابل إعادة اللواء أشرف ريفي إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بعد تقاعده وهو الملف الذي طوي واقعياً وسدت أبواب محاولة إحيائه من جديد عبر الطريق الاستثنائي المحصور بتمديد فترة خدمة قائد الجيش في صفوف المؤسسة العسكرية.
الجيش اللبناني الشريك مع المقاومة في التحرير والدفاع قدم كثيراً من الدماء في العامين الماضيين لحماية السلم الأهلي ومن واجب جميع القوى السياسية اللبنانية أن تنهض لاحتضان هذه المؤسسة الوطنية وأن تحاصر كل من يستهدفها ويحاول النيل منها ومن سمعتها والإخلال بصورة الإجماع الوطني حولها وعيد الجيش هو المناسبة لتظهير هذه الحقيقة التي تسمو على جميع الاعتبارات السياسية والمناكفات والحسابات!

السابق
سرقة أسلاك كهربائية في شارنيه
التالي
السيد نصرالله يتحدث بعد ظهر اليوم في احتفال يوم القدس العالمي